الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حفارو التاريخ

نشر بتاريخ: 2021-09-09 الساعة: 12:37

 

هلا سلامة*


من الصعب أن يفهم أو ينعم إسرائيلي واحد بالشعور الذي لازم الأسرى الفلسطينيين الستة وهم يعتقون أنفسهم من أشد معتقلات الموت تحصينا، فمن هذه الفتحة الصغيرة التي خرجوا منها عبر نفق حفرته أياديهم المكبلة على مدى أيام أو شهور تنفسوا نسمات الحرية التي يفوق أوكسجينها أوكسجين الأرض المحترقة ظلاما وعبودية.

هي محاولة لا شك أن أبطالها توقعوا فشلها كما نجاحها وربما كانت تكلفهم حياتهم، إلا أن عزيمة التحدي جعلتهم يحققون هدفهم في تسجيل موقف تاريخي آخر في حق الشعوب بانتزاع حريتها دون خشية من أية نتائج لاحقة.

لعله الظلم اللامتناهي والميؤوس من وضع حد له هو من جعل هؤلاء الفرسان يشقون الأرض ويخرجون منها كي يقولوا ليس فقط للإسرائيليين، إنما للعالم بأسره: نحن موجودون في زنازين عمرها عقود من زمن الاحتلال، منا من يشيخ فيها ومنا من يموت تعذيبا.

يختلف معتقلو سجون الاحتلال الإسرائيلي من الفلسطينيين بأنهم ليسوا متهمي سرقة واحتيال ومخدرات أو غيرها من الجرائم المدرجة في القوانين الجزائية والمدنية في العالم، فهم يعتقلون فقط بتهمة (..!!) تصديهم لمن احتل وطنهم، فيما يواصل المجتمع الدولي بما فيه المنظمات الدولية والجمعيات الحقوقية ارتكابه جريمة الصمت الكبرى بحقهم. 

مجتمع يرى ما يريد أن يراه فيما يغض طرفه عن أبشع الانتهاكات الإنسانية التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الآلاف من الفلسطينيين في سجونها المعدمة من أدنى مقومات الحياة الآدمية وكأنه واقع يلازم بقاء الاحتلال والكل مسلم به. 

جرائم الاعتقال والتعذيب الهمجي التي يرتكبها العدو الإسرائيلي وبالجملة بحق الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ لا شك أنها توحدهم بوجهه وهذا ما انعكس من المباركة الشاملة لعملية الأسرى الستة والدعوات إلى احتضانهم.

سجون موت تعد من أبشع نماذج التمييز العنصري الذي يفرضه الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وهي لا تدخل بالطبع ضمن الوسائل العقابية للأنظمة المتحضرة التي تحترم الإنسان وتعترف بحقوقه بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه وأي اعتبارات أخرى، فلا بد من فشلها بالسيطرة الكاملة على مجتمع بأسره بالقوة وبعيدا عن مفاهيم العدالة الإنسانية.

بوادر فشل العدو تظهر بالتوالي مع فصول المعركة التي يخوضها مع أصحاب الأرض منذ عام 1948، وليس آخرها عملية فرار الأسرى من سجن جلبوع، إسرائيل التي نام حراس سجنها، على أوهام التعسف وغطرسة القوة، توسع عمليات بحثها للقبض على من كسروا قيدا حكمتهم به لمدى الحياة، مهما كانت نتائجه لن يسد في التاريخ نفقا حفره العقل الفلسطيني والإرادة الفلسطينية ولو بعد آلاف السنين. 

---------

صحافية لبنانية

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024