سلوان ما بين الاستيطان والاهمال
نشر بتاريخ: 2021-09-06 الساعة: 11:30
الكاتب: رولا سلامة
في كل بيت تجد حكاية، وفي كل زاوية وحارة وحي وشارع تسمع ما لا تطيق سماعه، هذه سلوان، بؤرات استيطانية منتشرة في كل مكان، سمعنا أن عددها تسعون بؤرة استيطانية، يسكنها ما يقارب الأربعة الاف مستوطن، لوثوا ترابها حين داسوها لاول مرة في بداية التسعينات، فكانت جمعية العاد الاستيطانية، هي الذراع الذي بدأ بوضع الخطط وتنفيذها.
كان المخطط واضح وصريح، الاستيلاء على منازل الفلسطينيين في بطن الهوى، وكذلك قرارات الهدم في حي البستان، ووادي حلوة، ولا ننسى وادي الربابة ووادي ياصول وعين اللوزة وغيرها من الاحياء.
كذلك بناء الأنفاق تحت المنازل والمباني لتتصدع وتقع، ولا ننسى انشاء الحدائق التوراتية، ومن ثم تهويد محيط المسجد الاقصى المبارك وكذلك البلدة القديمة في مدينة القدس، وعندها ستسهل مهمتهم في تطويق المسجد الاقصى والبلدة القديمة وسيسهل الاستيلاء عليهما، فهذه سياسة الاحتلال منذ العام 1967.
لنفهم ما يدور في سلوان، بدأنا زيارتنا الاولى لنادي سلوان الرياضي، هذا الصرح الشامخ، الذي يخنقه الاستيطان، والذي تأسس في العام 1965.
مروان الغول – رئيس نادي سلوان الرياضي يقول "نعمل في النادي بكل المجالات، وأهمها بالتأكيد الرياضة، ونهتم بالصغير والكبير وكذلك بالمرأة، ولدينا مخيمات صيفية للأطفال على مدار العام، فنحن نهدف لحماية أطفالنا من الاعتقال، ونجنبهم هذه التجارب القاسية."
ويضيف الغول قائلا" في الوقت الذي تتوقف فيه أنشطة النادي، وبحكم تلاصق الجدران بيننا وبين المستوطنين، سيحتلونه ويضمونه لبؤرتهم الاستيطانية، وسنخسر معلما هاما وصرحا رياضيا ثقافيا اجتماعيا كبيرا."
بعد التجول في النادي، وبعد أن استمعنا لشرح مفصل على الانشطة التي يقدمها النادي للمجتمع المحلي وبالذات لفئة الأطفال، من مخيمات صيفية، وتدريبات على كرة القدم، ورحلات للتعرف على فلسطين، والعديد من الانشطة الترفيهية والثقافية، بعد هذا ذهبنا في زيارة للملعب وشاهدنا الاطفال يتدربون وهم يلبسون زيهم الرياضي المميز والذي يحمل لون العلم الفلسطيني يزين ساحات الملعب، ويذكرنا أننا هنا في حي من أحياء القدس العاصمة.
ومن الملعب توجهنا لنكمل جولتنا في شوارع وأزقة سلوان.
فالاحياء هنا فقيرة، والشوارع ضيقة، والاكتظاظ السكاني كبير للغاية، والمنازل متصدعة وبحاجة للترميم والاصلاح، وعندما تقف بعيدا نوعا ما، يظهر المشهد بوضوح أكبر، تشاهد التصاق الشقق السكنية بعضها ببعض، فتندثر الخصوصية داخل المنزل، لتسمع ما يدون من حوار بين ساكنيه، ولتشتم رائحة الطعام التي تفوح من منازل الجيران، مشاهد صعبة وصورمكررة لواقع أليم وصعب في العاصمة.
أما الأطفال، فينتشرون بالحارات والأزقة، وعلى أبواب منازلهم، يلعبون ويركضون ويصرخون، فلا أمن ولا أمان، ولا متنزه قريب يلهون به، فبعضهم ممن حظي بأسرة تعطيه بعض الوقت، تجده منشغلا بتدريب أو نشاط يفرغ به طاقاته، أما الاخرين فلا مكان لهم سوى الشارع وزقاق البلدة.
أما الاستيطان فتشاهده بوضوح كبير، وتشاهد انتشار البؤر في كل مكان، منزل صغير هنا يرتفع عليه علم اسرائيلي، ومحاط بسياج عال وكاميرات مراقبة، وبناية اخرى هناك يسكنها عشرات اسر المستوطنين، والمستوطنون ينتشرون في كل مكان بحماية جيشهم وأسلحتهم، وعمليات المداهمات الليلية والاعتقال لشباب البلدة مستمرة.
وللوهلة الاولى لم أصدق أنني في سلوان، بل تخيلت نفسي في أحد مخيمات لبنان، أوضاع لا يمكن لأحد أن يتخيل قسوتها، الاحتلال جاثم على أنفاس أهل البلد، والمستوطنون يواصلون البناء ويسرحون ويمرحون في أراضي الحي، أطفال يلهون بالشوارع، وشوارع ضيقة مكتظه بالسيارات، ومشاة لا يعرفون أن يمشون لضيق المكان، وقسوة الحياة هنا لا تطاق.
وأثناء زيارتنا التقينا السيد محمد الاعور- المدير العام لملتقى الشباب التراثي المقدسي ، والذي حدثنا عن الملتقى والانشطة التي ينفذونها، والمخيمات الصيفية ، والانشطة الموسيقية، وجلسات التفريغ النفسي، ودورات تعليم اللغة الانجليزية وغيرها من الانشطة والدورات.
كما حدثنا عن المشاكل التي تواجههم، وموقعهم المميز قرب عين سلوان، وواجبهم تجاه العين وحمايتها من تعديات المستوطنيين، حيث يشكل وجودهم هناك تحديا كبيرا للحملة الاسرائيلية التي تهدف لتهويد المكان، وقال "مقرنا يقع فوق المخرج الجنوبي لعين سلوان، وتوجد العديد من الانفاق حولنا، ومارس الاحتلال علينا ضغوط كبيرة لاخلاء المكان، ولكننا باقون هنا ولن نرحل."
أصبح واضح الان، أن هدف الاحتلال هو الاستيلاء على المسجد الاقصى المبارك، ومن ثم هدمه لبناء الهيكل المزعوم، وللوصول لخططهم، قاموا ببناء الانفاق في وادي حلوه، لتمتد للمسجد الاقصى، وليخلق تصدعات في المباني والمساكن، فتصبح غير ملائمة للسكن، ولكن هم لا يعلموا أن للصمود بشكل عام مقومات، أساسها الايمان بعدالة قضيتهم، وقناعتهم التامة أنهم اصحاب حق، وقدرتهم على التحمل لأن الاحتلال لن يترك طريقة الا وسيتبعها لمصادرة أرضهم وبيوتهم.
وأخيرا، أين الدعم من المجتمع المحلي لأهالي سلوان، ليواصلوا تحديهم وصمودهم، فالدعم بسيط جدا، والمؤسسات تعاني من ضائقة مالية عمرها سنوات طويلة، والممول لا يقدم الكثير، والسلطة لا تبادر لتخفف عن السكان، والقطاع الخاص لا يولي الامر أهمية، والشخصيات الاعتبارية تكتفي بالتصريحات النارية، وأهل البلد لوحدهم تركوا.
وهنا دعوتنا للمؤسسات والقطاع الخاص والعام والاعلام، أن يتحركوا لنصرة أهلنا في سلوان، فوقفة التحدي والدعم والمساندة التي وقفها الجمهور الفلسطيني الى جانب أهالي حي الشيخ جراح، عززت من صمودهم ومن تحديهم، وساندتهم وأوصلت صوتهم للعالم أجمع، فتحرك العالم لنصرتهم، وسلوان تستحق منا وقفة عز ودعم ومؤازرة، وتستحق أن نوثق قصص صمودها، وندول قضيتهم، ونحافظ على مؤسساتهم وانجازاتهم وناديهم " نادي سلوان" فعمره أكبر من دولة الاحتلال.