غيبوا الدرس الأهم
نشر بتاريخ: 2021-08-29 الساعة: 20:39
عمر حلمي الغول
من حق القوى السياسية والاجتماعية الاعتزاز والاحتفاء بإنجازاتها ومكاسبها على الصعد المختلفة نقابيا وبرلمانيا وسياسيا وثقافيا. ومما لا شك فيه، أن الإنجازات وإن لم تكن سياسية صرفة في الميادين النقابية والاجتماعية والثقافية، لكنها بالضرورة على تماس جلي مع البعد السياسي. ولا يمكن فصلها عنه؛ لأن النشاطات والفعاليات، أو الانتخابات مهما كان ثقلها وحجمها في المشهد الوطني العام ذات مردود ساسي، ويعكس ثقل القوى السياسية في هذا الحقل أو ذاك المجال. بيد أن الانشداد للمصالح والقضايا العامة، التي تهم الشعب، وتصقل خبرته وتجربته الوطنية تبقى الأهم. وهذا الذي لا يجوز أن يغيب عن أي فصيل أو حزب أو حركة سياسية.
وفي ذات السياق، أود التوقف أمام ما جرى في انتخابات نقابة المهندسين يوم الخميس الماضي، والتي تبوأت فيها المهندسة نادية حبش (شعبية) موقع النقيب، وفاز فيها المهندس منذر البرغوثي (فتح) بموقع نائب الرئيس، والمهندس رياض عبد الكريم (حماس) فاز بموقع أمين الصندوق، والمهندس عز الدين أبو غربية (فتح) فاز بموقع أمين السر، وأما على صعيد الفروع فإن حركة فتح حصدت تسعة مقاعد، في حين تحالف حماس والشعبية حصد ثلاثة مقاعد، وحتى لا أغبن حق حزب الشعب، الذي نزل بتحالف مع فتح، حصد مقعد سلفيت بالتناوب معها، وبالتالي شهدت النقابة تنافس تحالفين الأول: فتح وحزب الشعب، والثاني الشعبية وحماس.
أحببت أن أدرج التفاصيل أعلاه، كي أوضح الصورة الانتخابية ودروسها وعبرها، أولا إن انتخابات النقابة كرست الخيار الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع، وهو الدرس الأهم والأبرز، والذي يفترض أن نعمقه ونتمسك به، ونعلي شأنه، بحيث يكون عنوانا ومظهرا أساسيا في ترسيخ العملية الديمقراطية. وهذا البعد للأسف الشديد غاب عن قوى التحالف المسمى "عزم"، ويضم حماس والشعبية، فما إن ظهرت نتائج انتخاب النقيب، التي فازت بها المهندسة حبش، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذت التعليقات والقراءات السياسية للحدث باعتباره انقلابا في المشهد السياسي، وأنه شكل ردا على التطورات، التي شهدتها الساحة خلال الشهرين المنصرمين، وأن الشعب "عاقب" و"انتقم" من حركة فتح؟ّ! وأنا بقدر ما أبارك للمهندسة المناضلة نادية حبش فوزها بالموقع، بقدر ما أود أن ألفت انتباه فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين والجبهة الشعبية، لتسرعهم في استنتاجاتهم، كما خانكم تقدير وقراءة الموقف، كان يمكن التوافق معكم لو حصد تحالفكم أغلبية المواقع في النقابة، لكنكم بقيتم أقلية. وتجاهلتم العامل الأهم، وهو العملية الديمقراطية، وأدرتم الظهر لصناديق الاقتراع، التي لم تفتح يوما في محافظات الجنوب. وهو الدرس الذي يفترض أن يتم تعميده وتجذيره في المجتمع الفلسطيني؛ ثانيا كرست الانتخابات أهمية الشراكة بين القوى السياسية والنقابية المختلفة؛ ثالثا أسقطت خيار الإقصاء والعزل للقوى الأخرى؛ رابعا أظهرت بشكل جلي شفافية ونزاهة العملية الديمقراطية. رغم ادعاء البعض بحدوث بعض الخروقات؛ خامسا استخدم أعضاء النقابة حقهم الكامل في اختيار ممثليهم دون مداهنة، وبعيدا عن التزوير وشراء الأصوات؛ سادسا أعطت مصداقية عالية لدور السلطة الوطنية وحكومتها الشرعية في حماية العملية الديمقراطية، وكشفت بالمقابل عورات قادة الانقلاب الحمساوي، الذين يدعون "الحرص" على الانتخابات بمستوياتها المختلفة، وفي ذات الوقت يغلقون الصناديق النقابية والبرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني؛ سابعا أكدت الانتخابات وحدة الشعب الفلسطيني بعيدا عن التقسيمات الدينية والمناطقية الجهوية والجندرية، وهذا دليل أكيد على أن الشعب لا يقبل القسمة على كل الظواهر الفاسدة والمفسدة، التي تروج لها وسائل الإعلام الصهيونية وإشاعات أجهزة أمنها، أو من يدور في فلكهم.
نعم، العنوان والدرس الأهم كان فوز الشعب والديمقراطية، وسقوط الإقصاء والعزل، ولغة التسلط والفوقية، ونجاح حرية الرأي والتعبير والاختيار عبر صناديق الاقتراع. وهو النموذج المطلوب تعميمه وإشاعاته في كل خربة وقرية ومخيم ومدينة وفي الشتات والمنافي ووسط الجاليات كلها. ولا أنفي هنا أن الجماهير تعتبر باروميتر لحجوم القوى السياسية والنقابية والاجتماعية، وعلى القوى كافة أن تستخلص الدروس داخليا وعلى المستوى الوطني العام. مبارك كبيرة للفائزين بمجلس إدارة نقابة المهندسين رئيسا ونائبا وأمينا للسر وأمين الصندوق وممثلي المحافظات.
[email protected]