الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تونس ..الجمهورية الفريدة

نشر بتاريخ: 2021-08-14 الساعة: 12:50

موفق مطر 

كتب الرئيس أبو مازن :" اعترف أنني اكتشفت بلداً عربياً من نوع آخر، له مواصفات مختلفة ويستطيع الإنسان الاعتماد عليها ، فما يسود البلد هو سياسة وأفكار بورقيبة الموغلة في الواقعية والبعيدة عن الشعارات التي يرفعها الكثيرون دون أن يعنوا ما يقولون" .. وللتذكير فإن الزعيم الحبيب بورقيبة – رحمه الله – يعتبر المنظر الفكري والسياسي والقانوني للجمهورية التونسية ومؤسس قواعد الدولة ورافع ركائز مؤسساتها ، وما كتبه الرئيس أبو مازن مهم جدا نظرا لإخلاصه ومصداقيته وعقلانيته في التقييم  ، ونراه إدراكا متقدما لدى القادة المناضلين الذين صارعوا المستعمرين وساروا في درب الحرية والتحرر والاستقلال ، فأركان الدولة المستقلة ذات السيادة باعتبارها الهدف من كفاح ونضال أي شعب لا ترفع على شعارات تعبوية انفعالية شعبوية ، فهذه كالرمال المتحركة !! وإنما على قواعد العقلانية والرؤية المتقدمة ، ورؤية بعيدة المدى تضع مخلفات الواقع وركام الموروثات السلبية وراءها ، وتخطط لمستقبل يتناسب مع حجم تضحيات الشعب وتطلعات وآماله ، فالدولة عند القادة المناضلين المفكرين كالكواكب لا تتوقف عن حركتها المنتظمة ، تتقدم ولا تتراجع ، تسير منسجمة مع نظام الكون الإنساني أما نقيضها فهو التيه والتصادم الداخلي وانفراط عقدها وسقوطها في نطاق جاذبية القوى الخارجية الأقوى ، ويبلغ نضالهم الذروة في استقلالية القرار الوطني ودرء مفاسد الخضوع والتبعية . 

ما كان للرئيس محمود عباس إظهار اكتشافه النوعي لو لم يكن تكن فكرة الدولة عنده ناضجة تماما ، لذلك صرح باكتشافه تجسيدا ماديا واقعيا عمليا لمقومات الدولة في تونس ، وما كان للزعيم بورقيبة أن يسميه ( بورقيبة فلسطين ) لولا قناعته بنقاء فكرة و معنى النضال  الوطني والدولة في طرح الرئيس أبو مازن أثناء لقاءاته معه. 

في الخامس والعشرين من الشهر الماضي أعلن رئيس الجمهورية  التونسي قيس سعيد تدابير استثنائية وفق المادة 80 من الدستور التونسي ، هدفها كما لخصها " إنقاذ الدولة التونسية والمجتمع التونسي " ملبيا  طلب الشعب التونسي الذي خرج للشارع بمسيرات  ومظاهرات في كل أنحاء البلاد بمناسبة عيد الجمهورية تطالبه للتدخل  لإنقاذ الدولة من  فساد شامل  وفي كل الاتجاهات ينخر كالسوس في ركائز مؤسساتها وسلطاتها ، حتى أن صحة المواطن باتت عرضة للمساومة وتحقيق المكاسب السياسية ، فحافظ بتدخله السريع على السلم الأهلي ودماء وأرزاق التونسيين ، وأعاد لسلطة القانون والأمن والدولة هيبتها ومكانتها لدى الشارع .  

نجح الرئيس سعيد في تأمين وحماية الشعب وجيشه الوطني وافشل المعنيين بإضعاف المؤسسة الأمنية التونسية ورفع الكروت الحمراء بوجه فساد تغلغل حتى عظام سلطات الدولة الثلاث.. وتعلمنا من تجربتنا المكلفة جدا مع انقلاب حماس ( فرع جماعة الإخوان في فلسطين ) أن الرافضين لفكرة الدولة والوطنية لا يعنيهم إلا مصالحهم الفئوية الحزبية حتى لو كان الثمن إفقار الشعب وانهيار اقتصاد الدولة وتفكيك النسيج الاجتماعي وضرب قيمه وثقافته ، وصولا إلى تحويل مؤسسات الدولة التي بناها الشعب بتضحياته ونضاله وكفاحه ضد الاستعمار أشبه بهياكل خاوية تعشش فيها الغربان، فالمؤسسة ألأمنية تبقى العمود الفقري للدولة حتى في أحسن تطبيقات الديمقراطية لدى دول العالم !. 

 

نحن معنيون باستقرار وتقدم تونس ، فشعبها يعتبر نفسه شريكاً لشعب فلسطين وليس متضامنا  ، ولأن رئيسها – الذي وصف بمرشح فلسطين للرئاسة عام 2019 – يملك رؤية للقضية الفلسطينية متقدمة وفريدة في وضوحها فهو القائل :" إن مشكلة العرب ليست مع اليهود ولكن مع الصهيونية ومسألة التطبيع مع إسرائيل، وإنكار الحق الفلسطيني خيانة عظمى ، ففلسطين  

رسالة سلام في العالم حين تسترجع حقها، وتقيم دولتها وفق المرجعيات الدولية ..ولا تخضع للقانون العقاري وعاصمتها لا يمكن أن تكون إلا القدس " . 

ونختم بما كتبه الرئيس ابو مازن بتاريخ  5-8-2019بعد عشرة أيام على وفاة رئيس تونس السابق الباجي قائد السبسي ونشر في الحياة الجديدة  بتاريخ 2021-07-29  تحت عنوان (تونس الخضراء.. تبقى ) اذ كتب :"  تونس تستحق كل الخير والاحترام والتقدير لتجربتها الفذة وتاريخها النظيف لم يأت منها لفلسطين ولم يخرج عنها لفلسطين إلا كل الخير والاهتمام والدعم الكامل وبلا مقابل".. وكتب أيضا :" التعامل مع فلسطين ثقافة أرساها بورقيبة وتشبع بها الشعب نفسه ، وفي كل ركن من أركان هذه الجمهورية الفريدة" . 

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024