الرئيسة/  مقالات وتحليلات

انتصرت حماس خسرت غزة..، ملاحظات وأسئلة

نشر بتاريخ: 2021-08-02 الساعة: 18:11

أوس ابو عطا 


في سياق سياسة الاستيطان الرسمية لليمين الإسرائيلي، والسعي لتهويد المجال العام، على كامل امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة، استهدفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي باب العمود، وقامت بإغلاقه، كما حاولت منع الفلسطينيين من التجمّع في الساحة المجاورة له، والتي أصبحت مركزا اجتماعيا وسياسيا للمقدسيين. تزامن ذلك مع قرار قضائي إسرائيلي بإخلاء منازل تسكنها عائلات فلسطينية، في حي الشيخ جراح، في القدس، شمالي المدينة القديمة، لصالح مستوطنين إسرائيليين، جاء ذلك، وغيره، في وقت اقتربت فيه الذكرى الثالثة والسبعون للنكبة، مما أكد للفلسطينيين أنها ليست مجرد ذكرى تاريخية، بل لا تزال مستمرة.
هبّ الفلسطينيون في القدس للدفاع عن وجودهم، وامتدّت المواجهات إلى بلدات وقرى أخرى داخل الأراضي المحتلة في العام 1948، التي شهدت مدنها أيضا مواجهات بين عرب ويهود، وشهدت بعض نقاط التماس في الضفة صدامات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. تمكّن الفلسطينيون من إجبار سلطات الاحتلال على التراجع عن إجراءاتها قرب باب العمود، وأجلّ القضاء الإسرائيلي البت في قرار الإخلاء في حي الشيخ جراح، قبل أن تبدأ “حماس”، وفصائل فلسطينية أخرى بإطلاق صواريخها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة لتصل إلى تل أبيب، وخلافا لثلاث مواجهات عسكرية سابقة في غزّة، كانت حماس هي التي شنت الحرب، بذريعة حماية الأقصى ومنع إسرائيل من تغيير الواقع الديمغرافي في مدينة القدس.
ومما لا ريب فيه أنه يجب التأكيد على مشروعية المقاومة بكل الوسائل، مع فرض أن تكون كلّ وسيلة ملائمة، بحسب الظروف والمعطيات، ويمكن استثمارها سياسياً، وأن تستنزف العدوّ، أو توجعه، أكثر مما تستنزف شعبنا أو توجعه، وبعد ذلك ثمة ملاحظتان:
الأولى: ما الذي كان في ذهن حماس في غزة من توقعات لما بعد الحرب، لا سيما في ظرف يبدو فيه الشعب الفلسطيني دون أيّ ظهير، عربيّ أو دوليّ؟ بالقياس مع المحطات الكفاحية والمواجهات السابقة، فقد كانت الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004)، التي نجم عنها مصرع 1060 إسرائيلي في أربعة أعوام، ذروة كفاحنا ضدّ إسرائيل، ثم كنا إزاء ثلاثة حروب مدمرة شنّتها إسرائيل على شعبنا في قطاع غزة؛ الأولى عام 2008، واستمرت 23 يوماً، وذهب ضحيتها أكثر من 1436 فلسطينياً، مقابل مصرع 13 إسرائيلياً. والثانية عام 2012، واستمرت ثمانية أيام، وذهب ضحيتها 155 من الفلسطينيين مقابل مصرع ثلاثة إسرائيليين. أما الثالثة؛ فاستمرت 50 يوماً، عام 2018، وذهب ضحيتها 2174 من الفلسطينيين مقابل مقتل 70 إسرائيلياً، أي أكثر من أربعة آلاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات الألوف من الجرحى والمعاقين، ناهيك عن دمار هائل لبيوت وممتلكات، مقابل مصرع 86 إسرائيلياً، في ستة أعوام. ومفهوم أنّ أيّة عملية كفاحية ستتضمن ضحايا، وأنّه ثمة ثمن للحرية، لكنّ السؤال: ما الذي تحقق بثمن تلك التضحيات؟ والسؤال هل بالإمكان الآن استثمار تضحيات وبطولات شعبنا؟ وكيف؟
نعم يجب استمرار المقاومة، لكن بالشكل الأنسب، الذي يحفظ طاقات شعبنا، وبالشكل الذي يوجع إسرائيل، وأيضاً بالشكل الذي لا يجعلها تستخدم كل قوتها العسكرية، وهو المربع الذي ترتاح فيه.
تبذل حماس كل الجهود للخروج من مأزقها وتسعى لاستغلال كل فرصة للخروج منه، مأزقها مأزقها المتمثل في عزلتها الدولية والإقليمية، في ظل حصار خانق، تحمّلت معه عبء إدارة شؤون قطاع تردت أوضاعه الإنسانية، الاقتصادية والمعيشية، بشكل مأساوي، وفاقمتها ثلاث جولات من حرب دمرت بناه التحتية. عانت حماس من الإفلاس، مما دفعها لفرض الضرائب والإتاوات على أهالي القطاع، الذين خرجوا محتجين في مظاهرات انطلقت في مارس/ آذار من العام 2019، قمعتها شرطة “حماس” بوحشية.
حقيقة لم يكن لحركة حماس، ولا لأي فصيل آخر، أي دور في إطلاق عمليات التعبئة ضد ممارسات الاحتلال في القدس، لكنها وجدت فيها فرصة للتحرك لتعويض فرصتها الانتخابية الضائعة، معتقدة أنها ستستطيع تبييض رأس مالها السياسي، وتكون هذه المرة في منأى عن الانتقادات التي حمّلتها مسؤولية الأثمان الباهظة التي دفعها سكان غزة جراء الحروب السابقة. ومما له دلالة هنا، أن إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، أعلن أن الحرب لم تكن خيار “حماس” بل استدعاها الشعب الفلسطيني للتدخل. تمكّنت حماس من فرض نفسها مجددا على الساحة الفلسطينية، تحت شعار حماية القدس، المدينة الأكثر حساسية للفلسطينيين من الناحيتين الوطنية والدينية.
كما أنه تجدر بنا الإشارة هنا، و في ظل انعدام الخيارات أمام الحركة، سنكون بصدد السؤال التالي: ألم تختر “حماس” الصعود إلى الشجرة بإصرارها على الجمع بين نقيضين؛ السلطة والمقاومة؟
ولنكن واقعيين أكثر في هذا الطرح، فعلى الرغم من أن حماس لم تخسر هذه الجولة (لا بل يمكن ان يرى البعض أنها انتصرت)، إلا أن الخروج باستنتاجات قطعية بخصوص الحالة الفلسطينية واشتباكها المباشر مع دولة الاحتلال لا زال مبكراً، لا سيما أن الامور السياسية لا تُحسب الا بخواتمها ومآلاتها النهائية. أما الخواتيم والنهايات فهي ما سيبلغه الحال الفلسطيني في المديين القصير والمتوسط، ما يتطلب التريّث والحذر وكذلك عدم الإغراق في التفاؤل، فالطريق نحو الحرية والكرامة لا زال شائكاً ومليء بالعقبات والمنزلقات، كما هو بحاجة الى ما بعد بعد الصواريخ، وللحيلولة دون المبالغة والوقوع بالوهم لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية:
أولا: هل كان تدخل حركة حماس عسكرياً في موضوع القدس ضرورياً؟ إن كان الجواب نعم، هل كان توقيته مناسباً، خاصة أنه جاء في ظل حالة مقاومة شعبية عارمة عمت فلسطين التاريخية؟ هل تستطيع حركة حماس مواصلة ذات التدخل العسكري حال استمرار التنكيل الاسرائيلي اليومي بالمقدسيين؟
ثانيا: كون المقاومة العسكرية اجتهاد سياسي من طرف حركة حماس في غزة، ما الذي يلزم فلسطينيين آخرين ليسوا من غزة وليسوا من حماس (11 مليون فلسطيني) قبول ذلك الاجتهاد، خاصة انهم ليسوا جزءاً منه، كما انهم لا يستطيعون عبره مقاومة إسرائيل؟ فمن اين يأتي ابن اللد وسلوان ونابلس بالصواريخ؟ في حالة هذه الفوضى التي تعتري سبل المقاومة مَنْ يمثّل مَنْ وكيف؟
ثالثا: كيف يمكن الرد على القول ان حركة حماس تحتكر المقاومة تماماً ؟
رابعا: في حالة انفتحت  اميركا على حركة حماس كما انفتحت على منظمة التحرير، هل ستحصل حماس على نتائج افضل من تلك النتائج التي حصلت عليها منظمة التحرير من قبل؟ وقد يكون أفضل ما تحصل عليه حماس هو حكم ذاتي في قطاع غزة الجريح.
إن الإجابة الصريحة والمسؤولة على هذه الاسئلة، والتي ينبغي أن تكون بمنأى عن العواطف والإنفعالات، هي أمر في غاية الأهمية. فقبل أيام خلت، أُعلن عن وقف غير مشروط لإطلاق النار، ولم ترشح أي معلومات عن تفاهمات تثبيت التهدئة، ولا عن مصير شروط أعلنت “حماس” أنها لا تزال متمسكة بها، بشأن الأقصى وحي الشيخ جراح. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، عاودت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على المسجد الأقصى، ولا تزال تحاصر حي الشيخ جراح، وتُحكم فيه قبضتها الأمنية، وتعتقل مزيدا من أبنائه، وتمارس إجراءات مماثلة في مناطق أخرى. هل يمكن أن تجبر معركة صاروخية محدودة “إسرائيل” على التخلي عن طبيعتها بوصفها دولة استيطان كولونيالي احتلالي وإحلالي؟
باعتقادي أنه على الجميع أن يتفهم أنّ هذا النوع من النقاش لا علاقة له بمشروعية المقاومة، بكل أشكالها، فهذا أمر مفروغ منه؛ إذ إنّ أيّ شعب يخضع للاضطهاد وللاحتلال من حقّه المشروع أن يقاوم ذلك، لكن تلك المقاومة يفترض أن تخضع لإستراتيجية سياسية وعسكرية واضحة ويمكن استثمارها، ويجب أن تخضع لحسابات الكلفة والمردود (النسبية)، وأن تستفيد من التجارب السابقة، وأن تؤدي إلى إضعاف واستنزاف العدو، لا إلى إضعاف مجتمعنا واستنزافه. والفكرة أن نتعلم أنّ كلّ شيء يجب أن نخضعه للنقاش والدراسة، وكلّ وجهة نظر لديها مشروعيتها، وكلّ خيار تنتهجه قيادة ما يجب أن يعرض للمراجعة والنقد، وبعدها للتقييم والمساءلة والمحاسبة، فذلك من أبجديات العمل السياسي.
وكلّ ما تقدم لم يعد مجرد تحليل؛ إذ كان يمكن أن يكون ذلك لو إننا كنا في بداية كفاحنا الوطني، وإنما هو نتاج تجربة 56 سنة، وعلى ضوء المآلات والإخفاقات التي وصلنا إليها؛ لذا فإنّ إنكار الواقع، والمبالغة بالذات، والاحتكام للعواطف، والرغبات، وإسكات النقد بدعوى أنّ “لا صوت فوق صوت المعركة”، لا يفيد شيئاً، بدليل ما وصلنا إليه، رغم كلّ أحاديثنا عن شعب الجبّارين وعن زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل. والخلاصة أنّنا نخوض كفاحاً صعباً ومعقّداً ومكلفاً وطويل الأمد، وأهم ما يجب التمسك به هو المقاومة الشعبية؛ لتغدو المقاومة حالة يومية للفلسطينيين، في كلّ أماكن وجودهم، في الداخل والخارج، بهذه المساهمة أو تلك، وهذا ما نراهن عليه في قادم الأيام.
فعلى نمط هبات أهلنا في القدس هي الأنسب والأجدى لشعبنا، لا سيما في هذه الظروف، العربية والدولية، أما الطريق الآخر فهو يحمّل شعبنا أكثر مما يحتمل، ويظهر الوضع كجيش مقابل جيش، صواريخ مقابل صواريخ، وهذا يضرّ بشعبنا أكثر مما يضرّ بإسرائيل، إذ إنّه يستنزف شعبنا أكثر، كما أنّ هذا الوضع يصعب، أو يستحيل، الاستثمار فيه، بترجمة خسائر إسرائيل، مهما كانت، إلى مكاسب سياسية، سواء بحكم قوتها، أو بحكم المعطيات العربية والدولية المساندة لها،  وأخيراً فإنّ ذلك يضعف من تعاطف الرأي العام مع شعبنا، وهو أمر نحرز فيه نجاحات كما لاحظنا مؤخراً.


أوس أبوعطا

 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024