جرائم حرب يوثقها جنود
نشر بتاريخ: 2021-08-02 الساعة: 17:46
عمر حلمي الغول
تاريخ دولة الاستعمار الإسرائيلية، هو تاريخ أسود مليء بجرائم الحرب والمجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وكل المذابح والانتهاكات، التي ارتكبها الجنود والضباط وقطعان المستعمرين منذ وجود أول مستعمرة صهيونية في فلسطين التاريخية حتى اليوم تمت بدعم واضح من قبل قيادات الحركة الصهيونية قبل إقامة الدولة الاستعمارية عام النكبة 1948 وبعده، وحتى الآن تتواصل تلك الجرائم بدعم واضح من الحكومات الإسرائيلية بمختلف مكوناتها الائتلافية أو الحزبية. وكان دور ما يسمى حكومات "اليسار الصهيوني" أكبر وأكثر بشاعة ووحشية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قام 100 مجند إسرائيلي مؤخرا بنشر عريضة احتجاجية بتمويلهم الخاص في جريدة "يديعوت أحرونوت"، طالبوا فيها كلا من وزير الحرب، بيني غانتس، ووزير الأمن الداخلي، عومر بارليف للتدخل لوقف جرائم قطعان المستعمرين ضد الفلسطينيين. وأكد المجندون في عريضتهم، أن الحكومة الإسرائيلية تدعم وتغطي جرائم وانتهاكات المستعمرين.
وعلى إثر نشر العريضة، قام الصحفي والعقيد السابق في الجيش الإسرائيلي، شاؤول ارييلي المؤيد للسلام، بكتابة مقال تأييدا للجنود في صحيفة "هآرتس" يوم الجمعة الماضي 30/7/2021 بعنوان "من يوقف عنف المستوطنين" مستفيدا من تقارير منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وتقارير منظمة "لنكسر الصمت" للمجندين، الذين يرفضون جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين وضد الجيش الإسرائيلي نفسه، الذي يقوم بحمايتهم، والتغطية على انتهاكاتهم بأوامر من قياداتهم العسكرية. وضمن ارييلي مقالته الواسعة كما كبيرا من الوثائق عن جرائم المنظمات الإرهابية الصهيونية قبل نكبة الفلسطينيين في عام 1948، وبعدها، ودور أول حكومة إسرائيلية بقيادة ديفيد بن غوريون في دعم نهج السلوك والممارسات الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
ومما عرضه شاؤول، أن منظمة "بتسيلم" وثقت وحدها منذ النصف الأول من عام 2021 (162) حادثة عنف. وتعد هذه زيادة كبيرة ومستمرة مقارنة بعام 2020 عندما وثقت "بتسيلم" 122 حادثة عنف. وهذه ليست كل الجرائم المعروفة المرتكبة من قبل جيش الموت والأجهزة الأمنية الإجرامية بما في ذلك الشرطة وحرس الحدود ضد أبناء الشعب الفلسطيني. كما أن هذه الجرائم تنحصر في الضفة الفلسطينية، ويستثنى منها الحصار الظالم والحروب على محافظات الجنوب الفلسطينية، ولا تطال الجرائم التي ترتكب ضد الجماهير في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، بمعنى آخر، هي جزء يسير من سلسلة طويلة ومتفاقمة من جرائم الحرب والعنف المنفلت من عقال المستعمرين الصهاينة والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ويشير العقيد السابق، الصحفي الحالي ورجل السلام في مقالته، إلى أن زميله يانيف كوبوفيتز نشر في مقال في "هآرتس" في العاشر من كانون الثاني/يناير 2021، أن "البيانات من مؤسسة الدفاع تظهر أنه في عام 2020 تم الإبلاغ عن حوالي 370 حادثة عنف من قبل إسرائيليين في الصفة الفلسطينية، وأكثر من 10% منها – حوالي 42 حالة – موجهة للشرطة والجنود الإسرائيليين. تم الإبلاغ عن 206 حالات من أصل 370 حالة عنف كجرائم قومية. وتم الإبلاغ عن حوالي 120 حالة على أنها عنف جسدي ضد الفلسطينيين، والبقية تم تصنيفها على أنها هجمات من قبل قوات الأمن". وهو ما يكشف المنهجية الاستعمارية الصهيونية في التغطية على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
وتعميقا لسياسة التكامل بين قطعان المستعمرين والحكومات والأجهزة الأمنية والقضاء الإسرائيلي، يقول شاؤول "في العقد الماضي، تذكرنا سياسة الصمم، التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية بعدم "كفاءة الحكومات الإسرائيلية بعد قيام الدولة". للأسف استخدم الصحفي الإسرائيلي تعبيرا غير موفق (أو قد تكون الترجمة غير دقيقة)، ولا ينم عن حقيقة مواقف الحكومات الإسرائيلية، لأن المسألة لا تتعلق بالكفاءة من عدمها، المسألة تتعلق بنهج وسياسة عنصرية تعمدت في مدرسة الكراهية والفاشية الصهيونية، وفي رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية وكل مناهج التعليم الصهيونية القائمة على قتل الأغيار الفلسطينيين العرب، واستباحة مصالحهم وحقوقهم جميعها. المهم نتابع مع شاؤول، فيقول "وبحسب ييش دين، فإن 91% من التحقيقات في الجرائم القومية ضد الفلسطينيين في 2014 / 2019 أغلقت دون توجيه اتهام. و82% من ملفات التحقيق في الجرائم القومية ضد الفلسطينيين في الأعوام 2005/ 2019 أغلقت بسبب فشل الشرطة" في تحديد طبيعة الجريمة ومن ارتكبها، فضاعت الطاسة عن سابق عمد وإصرار للالتفاف على القضايا المرفوعة. وأضاف من بين 1252 قضية تحقيق تم التعامل معها بين عامي 2005 و2019، انتهت إلى 100 قضية فقط بإصدار لائحة اتهام. وتم إغلاق 736 قضية على أساس "جنائية غير معروفة" (تم إغلاق 64% من جميع القضايا). باختصار تم التكامل بين مكونات السلطات الاستعمارية التنفيذية والتشريعية والقضائية لإغلاق ملفات القضايا، وتبرئة ساحة مجرمي الحرب من مختلف الأدوات والعناوين الصهيونية.
إذن العريضة الجديدة لـ100 جندي إسرائيلي تمثل إضافة كمية لما تم نشره من وثائق كشفتها المؤسسات الصهيونية المختلفة نفسها منذ نشوء وتأسيس الدولة الاستعمارية عام 1948، ولكن قيمتها أنها تقدم دليلا إضافيا لقيادات وأقطاب العالم أجمع، إن دولة إسرائيل المارقة، ليست سوى دولة منتجة للإرهاب، ودولة تطهير عرقي، ودولة موت للسلام والتعايش، ولا يمكن أن تواصل الحياة دون ارتكاب جرائم حرب ومذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية من البحر للنهر. وهو ما يملي على العالم التوقف مرة واحدة بمسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية أمام انتهاكات دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية، وتحميلها بشكل قاطع وحاسم المسؤولية عن سلسلة تلك الجرائم، وتقديم قياداتها السياسية والعسكرية والقضائية على حد سواء أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب، وفرض العقوبات المختلفة عليها للالتزام باستحقاقات السلام. وقبل هذا وذاك على القيادة الفلسطينية تفعيل وتطوير المقاومة الشعبية بشكل منهجي وواسع وشامل بحيث يطال كل قرية ومدينة وخربة ومخيم، وتكريس الوحدة الوطنية وكسر أدوات الانقلاب الأسود في قطاع غزة بكل الوسائل المتاحة لتعزيز عملية الصمود والتحدي والمواجهة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية.
mat