بيوت الثأر للوطن
نشر بتاريخ: 2021-08-01 الساعة: 14:40موفق مطر
قد يكون وطننا فلسطين أكثر مواطن شعوب الدنيا التي تبدأ اسماء قراها ومدنها بكلمة بيت ، ونحتاج لدراسات بحثية للتأكد من هذا التقدير الأولي ، لكن الثابت لدينا حتى الآن وحسب المصادر والمراجع أن 75 قرية ومدينة في وطننا تحمل اسما مركبا .
لسنا بصدد بحث اكاديمي حول المسميات وابعادها التاريخية ، فما يعنينا في هذا المقام أن ثلاثة بيوت والمقصود بها بلدات وقرى فلسطينية منح مواطنوها السجل الوطني الفلسطيني التاريخي والجغرافي والسياسي النضالي الكفاحي فصلا نوعيا يضاف الى فصول الفخر والاعتزاز التي سجلها مواطنو مدن وقرى ابتداء من شمال فلسطين التاريخية والطبيعية حتى جنوبها من نهرها في مشرقها الى بحرها في مغربها .
لابد من الاشارة الى بأهمية وضرورة ربط اللحظة الزمنية الحاضرة بالأصول التاريخية الحضارية التي منحت هذه القرى مسمياتها ، لندرك اهمية صورة الروح الوطنية الثائرة التي تصدرها بيوتنا ( قرانا ) يوميا وتبثها لاغناء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وكرسالة للعالم خلاصتها : أننا هنا كنا ، وهنا باقون ، وهنا سنكون .
تؤكد ابحاث علماء الآثار أن أرض وطننا فلسطين من أول بقاع الدنيا التي استقر فيها الإنسان وهذا ما أثبتته العالمة البريطانية كاثلين كنيون Kenyon Kathleen( 1906–1978 عندما أكدت أن ( عين بشري ) المالحة شمال طبرية، كانت اول مستقر منذ حوالي نحو عشرة آلاف عام قبل الميلاد ، بشهادة وبينات كهوفها المتخذة كسكن آنذاك ، أما أريحا فتعتبر أقدم مدينة في التاريخ بناء على نظرية الاستقرار ، والملاحظ أن معظم اسماء القرى سامية، مصنفة ضمن ألأسماء المشتقة من العلاقة بالآلهة .. ورغم تعدد اسباب التسميات المرتبطة بالمكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى الطبيعية فقد بقي الفلسطينييون محافظون على اسماء بلداتهم وقراهم ومدنهم رغم محاولات الغزاة تباعا على تغيير اسمائها عبر الاحتلال والسيطرة الادارية والسياسية.
وبالعودة الى بيوتنا الثلاث فقد انتصرت ( بيت أمر ) في محافظة الخليل لمنطق ومعنى الثأر الوطني في كقاعدة في اطار الصراع مع الغزاة ، ووأدت الثأر الجاهلي العائلي قبل احتلاله موقع القانون والنظام .
انتفضت بيت امر لدماء الطفل الشهيد محمد العلامي ، واشتبك مواطنو البلدة مع قوات الاحتلال وأمطروهم بالحجارة ، فرسموا صورة ثأر وطني من مجرمي الحرب قتلة الأطفال ألأبرياء ، ثم اعادوا نحتها لتبقى خالدة في ذاكرة الشعب الفلسطيني البركانية أثناء تشييع استشهاد الشاب العشريني شوكت خالد عوض ، وأثبتوا للعالم أن الثأر من الاحتلال والاستيطان والعنصرية هو القاعدة ، وما دون ذلك استثناء ضئيل من الممكن تبديده ومحو آثاره بالالتقاء في جبهة واحدة ضد الاحتلال باعتباره مصدر النعرات والفتن والمشاكل الهادفة لحرف الصراع معه وتحويله الى صراعات حزبية ثم عائلية ، ثم فردية ، اقلها ثمنا دماء تسفك في الشوارع وبيوت وأرزاق تحرق بالعصبية والتعصب لغير الوطن .
أما بلدة بيتا الواقعة شرق مدينة نابلس والتي يشتبك مواطنوها مع قوات الاحتلال والمستعمرين الغزاة فإنها تنتصر لأسمها السرياني ومعناه البيت والأهل ، وتطور حتى صار بمعنى ألأمن والأمان والاستقرار ، نقيض الاحتلال والحرب والاستيطان والاستعمار الصهيوني الاسرائيلي ، فمن أجل ألا يمسح الغزاة اسم جبل صبيح من ذاكرة الانسانية ليحل مكانه اسم " افيتار " استشهد اربع شباب وجرح المئات خلال شهر واحد في اعظم ملحمة نضال ضد أعداء التاريخ والثقافة الانسانية ولصوص الجغرافيا ، وآخر منتهجي الاستعمار الاستيطاني العنصري ... فهؤلاء لا أمن لهم ولا أمان معهم ولا سلام ماداموا يحتلون راس جبل صبيح ، فأهل بلدة الأمن والأمان لهم بالمرصاد ، يربكونهم ، يجعلون من عيشهم واستقرارهم على هذا الجزء من ارضنا المقدسة مستحيلا .
ومثل المواطنين في بيت أمر وبيتا تأخذ بيت دجن مكان الضلع الثالث في مثلث بيوت الثأر ، الى جانب مربعات ودوائر لوحة الاشتباك والمواجهة مع الغزاة الصهاينة في بلدات وقرى ومدن فلسطين لا نستثني منها المبتدأ اسمها ببيت أو كفر أو دير ، أو شقيقات القدس .
تحمي بيت دجن الواقعة شرق نابلس ايضا شقيقتها ( بيت داجون ) الكنعانية - جنوبي شرق مدينة يافا اسم منسوب للمعبود ( داجون ) ، عرفت في عهد سنحاريب الاشوري 705 ـ 681 ق. م باسم (بيت دجانا). وفي العهد الروماني باسم (كافار داجو) وذكرها ياقوت الحموي باسم (داجون).
بيوتنا جذورنا ، وشجرتنا الطيبة نضيئها بالحكمة والشجاعة والعقلانية ، ونحميها بروح الثأر للوطن فقط ، فالفلسطيني منح ارضه اسماء مشتقة من روح السماء لتبقى خالدة .
m.a