دولة داخل الدولة ..!
نشر بتاريخ: 2021-07-05 الساعة: 11:19
بقلم: د. أماني القرم
تتصاعد وتيرة جرائم القتل في المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر بصورة متلاحقة، فلا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن جريمة أبشع وأوسع من سابقتها، كان آخرها مقتل اسرة كاملة من مدينة الرملة: الاب والأم وابنتهما البالغة من العمر 16 عاماً، والملاحظ أن معظم الجرائم يتم الاعلان عنها دون ايضاح الاسباب وتسجل ضد قاتل مجهول. وبات الأمر كأنه نهج حياة!
وبمراجعة بسيطة لصور وأخبار تفشي الجريمة هناك، يتبادر الى الذهن على الفور أسلوب المافيا الأمريكية كما شهدناها في أفلام عدة ربما أشهرها “الاب الروحي” أو “العراب” بأجزائه الثلاثة الذي يعرض صورة واقعية لتطور الجريمة في الولايات المتحدة اوائل القرن العشرين في الأحياء الايطالية واليهودية .. أشخاص بسطاء مهمشون في أحياء فقيرة يغيب عنها القانون يعانون البطالة والجهل قلة الحال، ينزلقون في مستنقع الجريمة لمواجهة الأقوى، والتي تبدأ بشكل فردي وفوضوي يشمل سرقات/ احتيال/ ابتزاز/ فرض أتاوات/ وقتل ليتطور بعد ذلك الى تنظيم كيان هرمي إجرامي يقوم بكل المظاهر غير المشروعة ، ويحتاج الى مظهر مشروع لضمان البقاء، فيخترق الاطر والمؤسسات المدنية والنقابات العمالية والانتخابات مسنوداً بفساد الشرطة ورجال السياسة وأصحاب المصالح العليا .. والمشكلة أن الأمور لا تقف عند هذا الحد إنما تتشكل كيانات إجرامية موازية لتصبح هناك كارتلات تتنافس وتتعاون فيما بينها لتقاسم النفوذ والسيطرة ..
هذا بالضبط ما يحدث داخل مجتمع فلسطينيي الخط الأخضر .. مع فارق واحد أن الاحتلال هو الأداة المساندة إن لم يكن مهندس هذا الاجرام المجتمعي عبر اهمال مقصود ومتعمد اقتصادي واجتماعي للبلدات الفلسطينية خلال عشرات السنوات .. وبحرفية عالية بدلا من تنفيذ خطط التعليم والامن والبناء والاقتصاد، تم إنشاء بنية تحتية خصبة للجريمة المنظمة من فقر وجهل وغياب للقانون وعوامل اخرى متعددة .. على سبيل المثال نصف السكان الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة البطالة تصل الى 24% مقارنة بـ 5% لليهود ، مع ملاحظة أن فرصة العمل للعربي لا تعني خروجه من خط الفقر، إنما تغيير مكانته ضمن نفس الخط لتدني الأجور قياساً باليهود رغم أن العربي في معظم الأحيان يكون أكثر مهارة وجودة. ناهيك عن انتشار المخدرات وغياب الاولاد عن المدارس دون رادع، إضافة الى محاولات مستمرة لزعزعة الموروث الحضاري والثقافي والأخلاقي للعربي الفلسطيني وإشاعة ما يسمى ب “العادات والتقاليد البالية” والتي أدت الى الإطاحة بمنظومة القيم المجتمعية. أما فيما يتعلق بالسلاح فحدّث ولا حرج .. ولأنه لا توجد أنفاق ولا منفذ الى لبنان أو ايران فالمصدر الوحيد له هو الجيش الاسرائيلي!
الجريمة لا تصبح منظمة إلا بمساعدة الشرطة وفي الداخل المحتل بمساندة الشاباك والشرطة كما أوردت القناة 12 الاسرائيلية في خبر متوقع بأن القتلة والبلطجية أغلبهم عملاء للشاباك ..وكيف لا فما أسهل من إنهاء مجتمع وهروب أعضائه إلا بتوظيف مجرميه سياسيًّا ..
إن هبّة أهلنا في الداخل والتحامهم مع غزة والضفة في الدفاع عن القدس كان محور الأحداث الحقيقي قبل شهرين لأنه أكبر دليل على أنهم متمسكون بأصولهم وجذورهم وعلى فشل الخطة الاسرائيلية لمحاولة انصهارهم وارغامهم على قبول مواطنة الدرجة العاشرة. ولذلك فإنني ارجو من قادة الفكر والسياسة والاجتماع في البلدات الفلسطينية داخل الخط الاخضر/ رغم يقيني من تعقيد الأمور وغياب المساندة من الشرطة/ مواجهة الجريمة المنظمة بوضع خطة قابلة للتنفيذ لتطوير الدور الريادي والتوعوي للمؤسسات التعليمية والدينية للنشء، وتعزيز القوة المجتمعية المسلحة بالمفاهيم الفلسطينية الأصيلة التي تعد حائط صد ضد محاولات الأسرلة والاجرام .