العنف والقتل ..عندما تؤخذ المرأة كالصلصال!
نشر بتاريخ: 2021-06-18 الساعة: 13:59
موفق مطر
جريمة مزدوجة، فقد قتل امرأته الشابة الحامل بجنين بعمر شهرين، أما دافع الجريمة الأحدث في سجل الجرائم ضد النساء في بلادنا فلا يخطر على بال أحد، وقد يصدم بعضنا إذا علم أن المجرم قد عنف امرأته وهتك مانسبته 70% من جسدها بسبب رأيها .. نعم رأيها، فآخر شهيدة وضحية للظلم المجتمعي السائد بلا رحمة دفعت ثمن نصيحة أبدتها بألا يتم تزويج شقيقتها لشقيق زوجها ، قد يكون مهما للباحثين معرفة البيئة الاجتماعية التي حصلت فيها الجريمة، لكن البيئة هذه ليست سببا وحيدا، وإن وجب الإقرار أنها واحدة من الأسباب الكثيرة.
فالقاتل أزهق روحين في جسد واحد، امرأته وابنه الجنين، لسبب واحد وهو انعدام قدرته على تحمل رأيها.
إذا بحثنا في السجلات القضائية قد نجد أسماء أشخاص بلغوا ذروة التشدد والتطرف بعملية قتل قد تكون مع سبق الإصرار والترصد ، وقد تكون ردة فعل، وانفجارا فجائيا لتراكمات، فالواحد من هؤلاء يعتقد أن (امرأته) - ولا نقول زوجه لأن الزوج تعني الشراكة في كل الحب والعقل والقرار والأحاسيس وخطوات الحياة بحلاوتها ومرها - يعتقد أنها امرأته وملكه المادي الخاص كأي متاع قد يشتريه المرء بماله، وكتلة من (صلصال) يشكلها كما يشاء، تمضي معه حيث يشاء، لا رأي لها ولا موقف إلا بما يصرح ويسمح ويشاء، وتشعر وتحس وتتكلم فقط بما يشاء، وتلبس ما يختاره هو ويليق بمقاييسه ومعاييره للزي ولحشمة جسدها، وتأكل وتشرب مما يشتهيه.
صحيح أننا نسعى ونناضل لتحرير مجتمعنا من سرطان جرائم العنف ضد النساء، لكن لا يمكن الوصول إلى هذا الهدف دون الإقرار بأن لدينا موروثا اجتماعيا ومفاهيم ثقافية خاطئة، وتقاليد حرفها ذوو النزعات السلطوية على أنواعها ودرجاتها عن قصد، وهذه جميعها أخطر وأشد دمارا من أي حقل ألغام قد يزرعه أفضل خبراء العسكرية في العالم، ألغام لا تحتاج لأكثر من مس بسيط في خيط الشخصية الذكورية المتأصلة لتنفجر.
لا بد لنا من رسم خريطة طريق للخلاص والتحرر من عناصر التدمير الذاتي لمجتمعنا، بثورة ثقافية تطهر مفاهيمنا وكتبنا وتراثنا من صور تقديس القتل باسم الرب، أو بذريعة الشرف، والخلط المقصود بين الفحولة والذكورية المتسلطة والرجولة، فقضية التحرر من الجريمة ضد النساء لا تتعلق بقوانين رادعة وحسب - حتى لو بلغت دفاتر نصوص القوانين سقوف المحاكم الشرعية والنظامية والمجالس العدلية والتشريعية – بل بمناهج تربية اجتماعية، وتعليم، وصحة نفسية، وتنوير ديني وثقافي ومجتمعي، فجريمة العنف ضد النساء تحتاج إلى تكريس الإيمان بكرامة وقيمة الإنسان وحقوقه الطبيعية في الحياة بغض النظر عن جنسه، و تنمية مستدامة للضمير الإنساني، حتى لا يتم تجميده أو السيطرة عليه بمقولات وتعميمات بمستوى دون الصفر بكثير من حيث الحرارة والحيوية، ومن حيث الزمان قياسا بموقع الأمم المتقدمة نحو سدة الحضارة، تنمية للإبقاء على منارات الضمير الإنساني، تكفل وتضمن الحوار العقلاني والقرار الصائب للشريكين في مؤسسة (العائلة). تنمية عقلانية تنويرية ترفض الأعذار المخففة أو المحلة لجرائم القتل والعنف ضد النساء، فسفك الدماء بالثأر كأحد السبل لنيل الفخر جريمة، وتحليل بتر وقطع الأيدي وجز الرقاب كعقاب جريمة.
إن العنف ضد النساء واستعبادهن وإبقاءهن في أحسن الأحوال درجة ثانية، ضعيفات، خاضعات يرهبوهن بالجحيم، ويرغبوهن بالنعيم كلما لبين وأطعن طاعة عمياء!.سبيل أشخاص وجماعات وأحزاب للاستحواذ على السلطة والحكم ابتداء من السيطرة على القاعدة الأهم (العائلة) وركيزتها المرأة (الأم المدرسة) ..وعليه فإننا نحتاج لضمائر رجال الفقه والشريعة والقانون والسياسة، المثقفين والشعراء والأدباء والكتاب والمنظمات الحقوقية، وثورة في التعليم، فلعلنا ننشئ جيلا الضمير عند كل فرد فيه هو الميزان، فالعدل أصيل في ضمير الإنسان.
mat