الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تسونامي ضد إسرائيل...!

نشر بتاريخ: 2021-05-30 الساعة: 19:22


أكرم عطا الله

قبل حوالى عشر سنوات كان إيهود باراك يشغل وزير الأمن في إسرائيل بالتحديد في آذار2011 يتحدث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب وفي كلمته ألقى ما يشبه القنبلة عندما حذر من «تسونامي سياسي سوف يصل إلى إسرائيل» وقد تردد هذا المصطلح بعدها لسنوات من قبل كثير من الكتاب والمثقفين الإسرائيليين قبل أن يخبو مع انتخاب ترامب.
من يتابع الصحافة الإسرائيلية سواء المكتوبة أو تليفزيونات وراديوهات إسرائيل لا يحتاج إلى الكثير من العناء كي يلمس الغرق الإسرائيلي بأمواج تسونامي العالية التي بدأت تضرب الدولة، أغلب الظن أنه تأخر بسبب التغيير الطارئ لساكن البيت الأبيض العام 2016 لكنه الآن يستمد قوته من كثير من الأحداث الفلسطينية والدولية ومزيد من انكشاف صورة اسرائيل، فأن تنشر صحيفة هآرتس على صدر صفحتها الأولى صورة الأطفال الذين اغتالتهم اسرائيل تلك جرأة وإن كانت الصحيفة اليسارية المعارضة اعتادت على مواجهة نهج حكومات اليمين التي يشكلها نتنياهو أما أن تفعلها صحيفة مثل «نيويورك تايمز» الأميركية المعروفة بانحيازها لإسرائيل فهذا يؤشر على شيء كبير.
لم تكن «نيويورك تايمز» تفعلها بمعزل عن المزاج الأميركي الآخذ بالتشكل والذي جسدته عدة مؤشرات ليس آخرها ما نشره كاتب العمود الشهير توماس فريدمان في الصحيفة نفسها بل عن تنامي الاتجاه اليساري الليبرالي في الحزب الديمقراطي والمهدد بالتفجير كما وصفه فريدمان بسبب القضية الفلسطينية وكذلك جرأة بعض أعضاء الكونجرس بالطلب من بايدن وقف صفقة الأسلحة لإسرائيل والتظاهرات التي عمت عدة ولايات أميركية ومطالبة الإدارة الأميركية من قبل 500 من أعضاء حملة الرئيس نفسه باتخاذ مواقف صارمة من إسرائيل وأكثر تأييداً للفلسطينيين.
تتزايد المؤشرات على تراجع إسرائيل في الولايات المتحدة التي تجوب قبالة كاليفورنيا فيها سفينة إسرائيلية لم تقترب من الموانئ لأن هناك قراراً نقابياً بعدم إنزال حمولتها بالإضافة للمقاطعة المتزايدة من قبل جامعات وأكاديميين وجمعية الأنثروبولوجيين الأميركيين وهذا ربما ما أعطى جرأة لصحيفة مثل نيويورك تايمز لأن ترى هذه المرة الصورة على حقيقتها لأن هناك تغيراً مهماً لا بد من رؤيته.
التركيز على الولايات المتحدة ضروري لأنها الدولة الراعية لتل أبيب إلى الدرجة التي تعتبر فيها إسرائيل كما يقال الولاية الواحدة والخمسين وأن يحدث كل هذا في تلك الدولة الكبرى فهو شيء كبير يؤشر على ما هو أكبر، ولكن التحول على المستوى الدولي لا يقل كثيراً سواء المزاج الشعبي في كثير من العواصم والتظاهرات التي عمتها أو جرأة بعض السياسيين مثل وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الذي استعمل لأول مرة مصطلح «ابرتهايد» في وصفه لمستقبل إسرائيل إذا استمرت في احتلالها وسيطرتها على الفلسطينيين، هذه المرة لم يسارع العالم كعادته للتعاطف الزائد مع إسرائيل رغم كثافة الصواريخ التي سقطت في مدنها ببساطة لأن المشهد يتغير.
قبل أكثر من عام كنا مشغولين بالكتابة عن الجائحة التي اجتاحت البشرية وكان الأمر أشبه بحرب عالمية ثالثة بجنود مجهولين ولا معارك ولا أبطال ولكن ككل الحروب ستختلف البشرية بعد الجائحة عما قبلها وضمن التوقعات كان هناك تقدير بأن العالم سيكون أكثر إنسانية بعد الرجة العنيفة التي أصابته في الروح، الآن يمكن القول إن هناك الكثير من العوامل تساهم في انكسار صورة إسرائيل وهو ما لا يمكن ترميمه ليس فقط لأن الكسر كبير بل لأن جزيئاته بالأساس كانت تتركب على دعاية شديدة التضليل مقوماتها أن الاحتلال المسلح بالقنبلة النووية هو ضحية يكون فيها الجاني الرئيس شعباً تحت الاحتلال فهل يستوي هذا مع الحد الأدنى للمنطق؟
كأن الوعي العالمي الذي هزته «كورونا»يستفيق فقد وفرت الجائحة فرصة للبشرية التي كانت غارقة في حياتها ويومياتها التي تشغلها عن متابعة التفاصيل وتتلقى معارفها من قبل وسائل إعلامية موجهة توفرت لها فرصة العزلة والبحث الهادئ غير الموجه على وسائل السوشيال ميديا التي لا يمكن السيطرة على مضمونها كان البحث يتم وسط أجواء من الخوف تلك الأجواء التي يكون للضمير الانساني متسع أكبر وهنا كأن العالم اكتشف الحقيقة.
لم توفر إسرائيل فرصة لاستدعاء الكراهية والمعارضة، قال بعض الصحافيين في إسرائيل لحظة سقوط ترامب إن على إسرائيل أن تتهيأ لدفع ثمن زواجها مع أكثر السياسيين جنوناً وغطرسة وبلاهة، كان المشهد بجزئياته يعيد رسم حقيقة اسرائيل كدولة وحكومة وأن هذا هو تحالفها الطبيعي مع الجنون، هي أقرب سياسياً وروحياً لمن هو مستعد لأن يشعل البشرية بعود ثقاب كانت اسرائيل وصفقة قرنها في لحظة النشوة تكشف عن رؤيتها وأنيابها السياسية بلا مناورة وأغلب الظن أن كثيراً من سياسيي العالم الذين صمتوا حينها أصابتهم الصدمة لأن اسرائيل خدعتهم على امتداد عقود طويلة وهي تتحدث عن السلام وبالنهاية تنكشف حقيقتها أن بينها وبين السلام روحاً شريرة كبرى اسمها الاستيطان وحبس الفلسطينيين في معازل وقتل أي حل للسلام.
إسرائيل تنكشف ما نراه عبارة عن مؤشرات تجلت دفعة واحدة أصابت الإسرائيليين بالدهشة، بعض العقلاء اعتبرها سياقا طبيعيا، وتسونامي ربما تأخر عن موعده والبعض يصر على مقولة «العالم كله ضدنا» لا يريد أن يرى الحقيقة التي يراها كل العالم وهي ببساطة شديدة ..احتلال يجثم على صدر شعب آخر يمارس التطهير العرقي والأبرتهايد وفي زمن الإعلام الرقمي لم يعد لإسرائيل متسع للتضليل أكثر، تقرير هآرتس الذي نشرته الجمعة عن حجم تداول الهاشتاقات الفلسطينية وقدرتها بـ 5 مليارات هاشتاق مقابل 100 مليون مؤيدة لإسرائيل كتعبير عن القلق الذي يجتاحها وهي تفكر الآن بكيفية العمل لقلب الصورة هذا ما يقلق إسرائيل بشدة، أمواج عالية تتحرك بشدة ضدها..!

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024