بينَ نَزْفٍ ومقذوف يُرهَنْ حقُّ إنساننا
نشر بتاريخ: 2021-05-20 الساعة: 12:44
بقلم ميساء أبو زيدان
أدركَ قادة الاحتلال الإسرائيلي على امتداد مراحل الصراع، منذ أن ارتكبتْ قوى الاستعمار بواسطة العصابات الصهيونية جرائم التطهير العرقي بحقِ الشعب الفلسطيني، لِغرس الكيان الوظيفي في قلب الشرق الأوسط، أنّ الفلسطيني وفور استِفاقَتِه من نكبته قد تَمكَّنَ من امتلاك الوعي بمُنطلقات الصراع، مُنتهِجاً السبل التي تُمكّنه من قوة الحق. تشكّل ذلك الوعي استناداً لفهم طبيعة الحركة الصهيونية ومشاريعها المُستَهدِفة للإنسان ووجوده على أرض فلسطين. أمَّا ما يخُص السبل النضالية التي انتهجها، فقد قرأ جيداً ما يحيطهُ من معادلات بالمستويين الإقليمي والدولي، ومن ثَمَّ حدد الأنسب من الخيارات النضالية.
واقعاً تجلى مُذّ أن انطلقت ثورته المُعاصِرة مُنتصفَ القرن الماضي، وأسسَ لبناء منظومة نضالية تبنت مبدأ البرنامج المرحلي، بحيث كَفِلَ استقلالية القرار ووطنية صبغته. بمعنى أن الشعب وحده هو الذي يحدد أهدافه والسبل الكفيلة بتحقيقها، فهو صاحب الحق. لذا؛ عمِلَ طليعيو ثورته عل امتلاك الحروف التي بها صِيغتْ عدالة قضيته الوطنية، أيّ أن الفلسطيني فرضَ وجوده المُستهدف (مكانةً) على الخارطة العربية والدولية، فلم يعد بالإمكان لأيٍ من الأطراف والمكونات العربية تأجيل التعاطي مع الصراع فور تحقق الوحدة العربية، ولم تتمكّن قوىً عالمية متعددة من اعتبار القضية إنسانية المنطلق، وباتت منظمة التحرير الفلسطينية هي الكيانية الشرعية المُمَثلة للشعب، والإطار الذي يقود نضالاته أمام العالم بأسره.
وانتقالاً من مرحلة الكفاح لحماية الوجود وصون وطنية الحقوق، للمرحلة التي جَهد خلالها الفلسطيني التأسيس لكيانيته الفعلية، عبر الانخراط في مباحثات السلام وصولاً لنتيجةٍ اعتبرتها بعض الأطراف فرصةً لتصفية القضية، بينما اعتمدتها قيادة (م.ت.ف) خيارا نضالياً سيتلازم والبناء، ما يندرج ضمن مرحلية النضال منهجاً، تحقيقاً للغاية المتجسدة بحماية الوجود وحفظ القضية مكانةً وهوية. وبعيداً عن الكيفية التي تناول بها العديد الواقع الفلسطيني وتشخيص مناحيه، وتقييم نتائج اتفاقيات السلام ومدى انعكاسها واقعاً، فور اتفاق أوسلو وعودة قيادة المنظمة للأراضي المحتلة عام 1967، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الاشتباك بين طرفي الصراع على الأرض احتَدمَ وبمختلف الميادين والمستويات.
هنا؛ يُمكن القول إنّ مسار القضية الفلسطينية انقسم نهجاً لمرحلتين: الأولى هدفَت لِفرض القضية وحماية الهوية الوطنية، والثانية شهدت النضال لانتزاع الحقوق الوطنية. لتبرز مسألتا الخيارات الممكنة والمتاحة، وفهم المناخات المحيطة، كتحديات جديّة مثُلَتْ أمام قيادة (م.ت.ف) وتربَّصت بمشروعها المُتمثل بالسلطة الوطنية الناشِئة، في ظل استمرار الاحتلال الذي تبنى قادته سياسة انتزاع قدرات الفلسطينييّن التي تتيح لهم توفير القاعدة المواتية لبناء الكيانية الوطنية وصولاً للدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أن تكون القدس الشرقية عاصمتها. التحدي الأهم تلخص بالمحاولات الإسرائيلية لتشويه عدالة القضية وسلب الفلسطينييّن حقهم بالنضال، كَسْباً للتأييد الدولي وتجميلاً لسياسات الاحتلال التي اتخذت من الأمن مبرراً لتنفيذ المخطط التوسعي عبر التطهير العِرقي.
اختلفت قواعد الاشتباك المستمر بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي بمؤسساته، فالطرف الأول يسعى لحقوقه الوطنية التي كفلتها له الشرعة الدولية، أما الثاني فقد حرص على الدفع بالأول لمستوى لم يتجاوز سقفه تصنيف الشعب بالسكان، وقضيته بالمسألة، وحقوقه بالاحتياجات! وحرص قادة الاحتلال على كَسبْ عامل الوقت، وفرض وقائع على الأرض تُمَكِّنُهم من إرجاع الفلسطيني للمربع الأول في الصراع. فبات العمل على حماية وجه القضية من التشويه والإرادة الوطنية هاجساً فلسطينياً، تجنباً لمنعطفات مصيرية عانيناها في أوقاتٍ حرجة، كالذي تخلل انتفاضة الأقصى عام 2000، التي جاءت رداً على تنصل الإسرائيليين من الاتفاقات الموقعة بين الطرفين، وانطلقت شرارتها من القدس أيضاً. كذلك الضربة التي قسمت الكيانية الوطنية، المحاولة التي جاءت بهدفِ اعتمادها مرتكزاً للمخطط الذي استهدف المنطقة العربية، عنونته حينه إدارة الولايات المتحدة الأميركية بالـ (الربيع العربي).
يسعى العديد لتأصيل مقولة "ما أُخِذَ بالقوة لا يُستَرَد إلا بالقوة"، في إشارةٍ لطبيعة الخيارات الواجب تبنيها، لكن إدراك ماهية تلك القوة بات في دائرة الاستهداف، فلو تم تناول نتائج انتفاضة الأقصى والعدوان الإسرائيلي الذي استهدف قطاع غزة لأربع مرات، والبحث في مدى تعزيزها للفعل النضالي التحرري، لأدركنا أنّ التصعيد الميداني وعسكرة الفِعل المُقاوِم، هو الهدف الذي سيُمَكِّن الإحتلال ويمينه المتطرف من المُضيّ بمخططاته التوسعية، إضافةً لإصرار بعض الأطراف الإقليمية الزج بالفلسطيني (حربهم بالوكالة) للمحطة التي تشهد هدرَ عظيم التضحيات والمُكتَسَبْ من المُقدّرات.
mat