الشاعر الشهيد أحمد دحبور
نشر بتاريخ: 2021-05-11 الساعة: 15:01
بقلم عيسى عبد الحفيظ
المناضل الشهيد/أحمد خضر دحبور هو ابن فلسطين الشجاع وابن حيفا الميلاد وابن مخيم حمص للعائدين النشأة والتربية والدراسة وهو ابن القضية وابن الثورة الفلسطينية وابن حركة فتح أولاً وأخيراً، وهو الذي صاغ نضالها بأشعاره ودواوينه والتي تغنت بها فرقة العاشقين ما بعد الانطلاقة.
الشاعر/ أحمد دحبور من مواليد مدينة حيفا بالشمال الفلسطيني في 21/4/1946م، هاجرت أسرته بعد النكبة عام 1948م، إلى سوريا واستقرت في مخيم حمص للعائدين، شب وكبر في المخيم وترعرع ودرس وعاش فيه واحد وعشرين عاماً، وكان لحياة المخيم بكل ما يمثله من فقر وفاقه وحرمان وبؤس وجوع، تأثير في تكوينه النفسي والاجتماعي والسياسي والشِعري.
أنهى دراسته الأساسية والإعدادية، وتفتحت شاعريته في سن مبكرة وحضر الكثير من المهرجانات الشِعرية والمؤتمرات الأدبية، لم يتلق أحمد دحبور تعليماً أساسياً كافياً، لكنه كان قارئاً نهماً وتواقاً للمعرفة فصقل موهبته الشِعرية بقراءة عيون الشِعر العربي قديمة وحديثة وكرسه للتعبير عن التجربة الفلسطينية.
نشر أحمد دحبور وقصائده الأولى وهو في سن الثامنة عشرة من العمر ونشر بواكير قصائده في مجلة الأدب اللبنانية، وفي نفس العام أصدر مجموعته الشِعرية الأولى (الضواري وعيون الأطفال) عام 1964م.
عاصر أحمد دحبور المأساة الفلسطينية وعاش رحلة العذاب والتشرد بكل خلجة شعورية من خلجات قلبه، ونما في داخله الشعور الوطني والروح القتالية فأسهم بقلمه وفكره في النضال التحرري وفي الثورة الفلسطينية، وشكلت قصائده سلاحاً ثورياً وزاداً روحياً للمقاتلين والمدافعين عن أشرف وأقدس قضية.
آمن الشاعر/ أحمد دحبور دائماً بالكتابة كرسالة والتزام للدفاع والذود عن قضايا شعبه الوطنية وسلاح ثقافي في معارك التحرير والاستقلال، وهو شاعر ثوري وقومي ملتزم يرى في القصيدة جسداً كاملاً ومربعاً بين لغة الحلم ولغة الواقع، وفي أشعاره يبرز أحمد دحبور بطاقة هوية انتمائه الطبقي والإنساني وانتصاراً للفقراء والجماهير الكادحة.
أحمد دحبور شاعر أصيل ملتزم يتصف شِعره بالصفاء والعذوبة والصدق والحب العميق للإنسان فوق كل أرض وتمجيد الإرادة الفلسطينية الحقيقية والروح الوثابة الطموحة الباحثة عن الخير والفرح والمتعطشة للحرية والمستقبل المشرق.
أحمد دحبور من ينابيع الشِعر الفلسطيني المعاصر المقاوم، وأحد أعمدة الحركة الثقافية الفلسطينية الراهنة، فهو شاعر وناقد وباحث وموسوعي وقارئ جاد وسياسي ومثقف واسع الاطلاع وصاحب مواقف سياسية وفكرية تقدمية واضحة.
لقد تمكن الشاعر/ أحمد دحبور من أن يجعل لفلسطين هوية نضالية وأصبح الحضور الفلسطيني في العالم رمزاً لنضال المعذبين في الأرض، حيث يُعد أحمد دحبور أحد أعمدة الثقافة الفلسطينية بالنظر إلى ثراء مسيرته الأدبية واضحة.
عمل الشاعر أحمد دحبور محرراً سياسياً لوكالة الأبناء الفلسطينية (وفا) فرع سوريا عام 1972م، كما كان مراسلاً ميدانياً لصحيفة فتح من عام 1969 – 1970م، ومحرراً أدبياً فيها (1971 – 1972)م.
وبعد الخروج من بيروت إلى تونس عمل الشاعر/ أحمد دحبور مديراً لتحرير مجلة اللوتس حتى عام 1988م، ورئيساً لتحرير مجلة بيادر من (1990 – 1993)م، ومديراً عاماً لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية وعضواً في اتحاد الكُتاب والصحفيين الفلسطينيين.
حاز الشاعر/ أحمد دحبور على جائزة توفيق زياد في الشِعر عام 1998م، وكتب العديد من أشعاره لفرقة أغاني العاشقين.
الشاعر المبدع/ أحمد دحبور كتب الشِعر الحر ويتراوح أحياناً بين الشِعر والنثر محاولاً توليد أوزان خاصة في القصيدة الواحدة، يغلب على شِعره الحس التجريبي الذي يؤدي به إلى الغوص في أعماق الذات الإنسانية.
عاد الشاعر/ أحمد خضر دحبور (أبو يسار) إلى أرض الوطن عام 1994م، وعُين مديراً عاماً في وزارة الثقافة الفلسطينية، ومن ثم وكيلاً مساعداً حتى تقاعده عام 2006م.
بعد عودته إلى أرض الوطن أول ما قام به هو زيارة مدينة حيفا التي بقيت مائلة أمام عينيه ولم تبرحها بالمرة.
تنقل الشاعر الكبير/ أحمد دحبور بين كثير من الأقطار العربية مثل (سوريا، الأردن، مصر، لبنان، اليمن، تونس، الجزائر، وغيرهما).
كتب الشاعر/ أحمد دحبور العديد من المقالات والمراجعات النقدية والأغنية والمسلسل التلفزيوني والميلودراما وله في ذلك مسلسل (عز الدين القسام) الذي أنتجه التلفزيون القطري مع دائرة الثقافة الفلسطينية عام 1980م، وله عشر سهرات تلفزيونية ثقافية وثائقية.
كتب منذ عودته إلى أرض الوطن المقال الأسبوعي في جريدة الحياة الجديدة بعنوان (عيد الأربعاء) يتناول بالدرس والنقد والتحليل مجموعات شِعرية وروايات وقصص عربية وأجنبية، وكذلك عموداً أسبوعياً في جريدة الاتحاد الحيفاوي بعنوان (حجر في الهواء).
من أعماله الشِعرية/-
- الضواري وعيون الأطفال – منشورات الأندلس – حمص – 1964م.
- حكاية الولد الفلسطيني – دار العودة – بيروت – 1971م.
- طائر الوحدات – دار الآداب – بيروت – 1973م.
- بغير هذا جئت – اتحاد الكُتاب الفلسطينيين – بيروت – 1977م.
- اختلاط الليل والنهار – دارا لعودة – بيروت – 1979م.
- واحد وعشرون بحراً – دار العودة – بيروت – 1981م.
- شهادة بالأصابع الخمس – دار العودة – بيروت – 1982م.
- هكذا – دار الآداب – بيروت – 1990م.
- كسور عشرية – الأهالي للنشر – بيروت – 1992م.
- هنا وهناك – الشروق – عمان – 1997م.
بعد تقاعده عاد إلى سوريا ومكث فترة من الزمن ومع الوضع الصعب الذي حدث وما زال يحدث في سوريا الشقيقة، عاد واستقر هو وزوجته وابنه يسار في رام الله.
تعرض الشاعر الكبير/ أبو يسار في شهر يونيو عام 2016م، إلى وعكة صحية نُقل على أثرها إلى مستشفى رام الله الحكومي ومن ثم إلى داخل الخط الأخضر للعلاج حيث كان يعاني من فشل كلوي تام.
وخلال مرضه بتاريخ 20/8/2016م، انتقلت زوجته أم يسار إلى رحمة الله تعالى بعد إصابتها بأزمة قلبية.
انتقل إلى رحمة الله تعالى ظهر يوم السبت الموافق 8/4/1970م، في مسشتفى رام الله الحكومي الشاعر الكبير/ أحمد خضر دحبور (أبو يسار) أحد رموز الأدب والشِعر والثقافة الفلسطينية ومن الرواد الذين حفروا بصمات واضحة في شِعر المقاومة الفلسطينية بشكل خاص والأدب بشكل عام وذلك بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الواحدة والسبعين عاماً.
أحمد دحبور كان شاعر الثورة والإنسانية الفدائي الثائر الرجل المعطاء بلا حدود والمحب للوطن، هذا هو قدرنا وقدر الفلسطيني أن نودع واحداً تلو الآخر، هم السابقون ونحن اللاحقون.
أحمد دحبور الشاعر المتميز والإنسان النبيل والفلسطيني الوفي والمناضل من أجل الحرية، حاضر في كل بيت فلسطيني بشِعره وأغانيه التي يرددها معظم أهل فلسطين.
أحمد دحبور قامة شِعرية لها وزنها الإبداعي والثقافي بما قدم من أغاني وطنية وشعبية، ولا زلنا نستمع إليها ونسترجع بها تاريخنا الثقافي المقاوم.
وقد نعى الرئيس/ محمود عباس (أبو مازن) الشاعر الكبير/ أحمد دحبور وكذلك نعته الحكومة الفلسطينية.
وقد نعت حركة فتح إلى جماهير الشعب الفلسطيني والأمة العربية والمثقفين في العالم الشاعر والكاتب الكبير/ أحمد خضر دحبور (أبو يسار) الذي ارتقت روحه بعد أن فاضت بعطائها الخالد على قلوب المؤمنين لفلسطين وطناً تاريخياً وطبيعياً لشعبها، حفر أحمد دحبور الإنسان والشاعر الكاتب بدون استئذان بيت ثقافة الفلسطيني التحرري بعود اللوز الأخضر بعد أن شهد العام علينا وعبيروت وبعد النشيد للأسرى في معسكر أنصار، فهو الذي حمل وردة لجريح الثورة واسمعنا صوت البارود عندما غنى، وبعد أن روى لنا قصة جمجوم وفؤاد حجازي وعز الدين وكتب عن حيفا أجمل المدن، وأنشد وغنى أشعاره حتى ترك لنا ميراثه عند العاشقين.
أحمد دحبور قامة راقية بعلو مفاهيمها وأبعادها وهو أحد رواد فلسطين الذين عملوا على صياغة الهوية الوطنية والثقافية للشعب الفلسطيني، حيث ساهم بإبداع وعطاء فياض قل نظيره مع رواد الثقافة الوطنية في بلورة الشخصية الحضارية للثورة الفلسطينية المعاصرة.
وأعربت حركة فتح عن مشاركتها قيادة وكوادر ومناضلين لعائلة الشاعر الكبير/ أحمد دحبور وذويه أحزانهم وعزاؤها أن دحبور سيبقى منارة ثقافية وضميراً حياً موجهاً نحو الانتماء الوطني الخالص.
وكذلك نعت وزارة الثقافة الفلسطينية الشاعر الكبير/ أحمد دحبور وقالت في بيان لها: بمزيد من الحزن والأسى تنعى القامة الإبداعية الكبيرة الشاعر/ أحمد دحبور الذي وافته المنية في مدينة رام الله بعد ظهر اليوم معتبرة رحيله خسارة كبيرة على المستويات الوطنية والثقافية الإبداعية والإنسانية.
إنه من الصعب بمكان سد الفراغ الذي سيتركه صاحب حكاية الولد الفلسطيني وكاتب كلمات الأغنيات الخالدة ومنها (اشهد يا عالم علينا وع بيروت، وعوفر والمسكوبية، ويا شعبي يا عود الندى، والله لأزرعك بالدار ويا بنت قولي لأمك، وغزة والضفة وصبرا وشاتيلا) وغيرها الكثير من الأغنيات التي كان الوطن جوهرها.
ونعى الاتحاد العام للكُتاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر/ أحمد دحبور، إلى شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، وكافة الأحرار في العالم والإنسانية جمعاء الشاعر الفلسطيني الكبير/ أحمد دحبور الذي توقف قلبه عن الخفقان، حيث ليستشعر الخسارة الفادحة التي منيت بها الثقافة الوطنية الفلسطينية المقاومة، والثقافة العربية جمعاء، فبرحيله تخسر الثقافة اليوم واحداً من اهم أعلامهم الشُعراء وعلاماتها الشِعرية الفارقة التي ارتبطت بشكل عضوي بقضية شعبنا الفلسطيني كهم يومي لها وهاجس دائم.
رحم الله شهداءنا وأسكنهم فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
mat