الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ثلاثة أصوات

نشر بتاريخ: 2021-05-03 الساعة: 03:30


 محمّد علي طه

هاتفني صديق باحث وأكاديميّ بارز وقال بأسى: نحن نعيش في زمن اللامعقول، فهذا الأمر ما كان يحدث بهذه السّهولة والسّلاسة قبل سنوات، بل قبل أشهر، ويُمرّ عليه مرّ الكلام".

يجلس رئيس حزب عربيّ في بلادنا مع السّياسي الصّهيونيّ اليمينيّ نفتالي بنيت، المرشّح لرئاسة الحكومة، ويصدر بيانٌ عن لقائهما الودّيّ ويؤكّد الخواجة بنيت أنّ صاحبنا لم يذكر في لقائهما قانون القوميّة والقضيّة الفلسطينيّة، ولم يحدث ردّ فعل في الشّارع العربيّ، كأنّ الأمر عادي جدًّا. لو حدث هذا قبل سنة لقامت الدّنيا. وكيف لا؟ بنيت الّذي يتنكّر لحقوق الشّعب الفلسطينيّ ويتوعّد غزّة بالويلات ويسعى إلى تهويد القدس، وعينه على المسجد الأقصى، صار الجلوس معه ودّيًّا وحلالًا زلالًا. هذا دليل على أنّ الدّنيا تغيّرت. والنّاس منشغلون بمستوى معيشتهم وهمّهم أن يستجمّوا في الإمارات وفي دبيّ وفي الجزر اليونانيّة. هذا زمن اللامعقول وسياسة اللامعقول ووطنيّة اللامعقول!!

وهاتفني صديق كاتب معروف يقاتل السّلطات بكلماته منذ عقود، ويزرع الأمل في عيون وقلوب النّاس كما يعتقد. وقال مهمومًا: هل انتهى الزّمان الّذي ردّد فيه شبّاننا وشابّاتنا ردًّا على مضطهديهم، على رفّول وشارون وزئيفي وباقي الشّلّة، ما قاله الشّاعر سميح القاسم: "منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي!" وصار البعض يردّد: "منحني القامة أمشي، مطاطئ الهامة أمشي، وأعدو وراء قرشي، وأجري وراء قرشي وألهث وراء قرشي".!؟

وهل تنازلنا بسهولة عمّا قاله الشّاعر توفيق زيّاد: "كأنّنا عشرون مستحيل. في اللد والرّملة والجليل!؟". وهل يعقل أن ينسى أولادنا ما قاله الشّاعر محمود درويش: "أنا من هناك ولي ذكريات. ولدت كما تولد النّاس، ولي والدة. تعلّمت كلّ الكلام وفككته كي أركب مفردة واحدة. هي الوطن!! أيها الذّاهبون الى صخرة القدس مرّوا على جسدي. أيّها العابرون على جسدي لن تمرّوا.. أنا الأرض في جسد لن تمرّوا؟".

يؤلمني أن أخبرك بأنّ هناك استطلاعًا للرّأي يدلّ على أن الأكثريّة من أولادنا ترغب بأن ندعم الحكومة، سواء برئاسة نتنياهو أو بنيت أو لبيد أو ساعر، ولا يهمّ أن نكون جزءً منها، أو ندعمها من الخارج مقابل أن نحقّق إنجازات ولو صغيرة.. فتات المائدة.

هل نسينا القدس وقلنا ما قاله عبد المطلّب في ساعة ضعفه؟ وهل نتغاضى عمّا يرتكبه الاحتلال يوميًّا في المدن والقرى الفلسطينيّة وفي مخيّمات اللاجئين؟

هل فقدنا البوصلة؟      

ماذا أصابنا وأين أخطأنا؟

وقال لي صديق ناشط اجتماعيّ ونحن نشرب الشّاي مع النّعنع في المساء: في السّنوات الخالية كانت الأحزاب العربيّة تنشط في بلداتنا وكان لها صحافة ونواد ثقافيّة تقام فيها محاضرات أدبيّة وسياسيّة واقتصاديّة. كان للحزب الشّيوعيّ مثلا صحيفة "الاتحاد" اليوميّة ومجلة "الجديد" الأدبيّة ومجلة "الغدّ" للشّباب ومجلة "التّقدّم" للمعلّمين ومجلة "الدّرب" الفكريّة… فماذا بقي اليوم منها؟ وكان للتّجمع "فصل المقال"… وكانت صحيفة "التّضامن" و "الوطن" و"البلاد" وغيرها…

واليوم لا نوادي حزبيّة أو ثقافيّة.. ولا صحافة حزبيّة سياسيّة ولا مجلّات أدبيّة وثقافيّة.. ولا محاضرات ولا ندوات.

هذا التّراجع في النّشاط الحزبيّ والفكريّ والثّقافيّ هو الّذي أدّى الى انهراق شريحة هامّة من شعبنا الى حظيرتيّ نتنياهو وبنيت.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024