لا عودة للمربع الأول
نشر بتاريخ: 2021-04-29 الساعة: 13:43
الكاتب: د. محمد المصري
سنشهد بالتأكيد نشاطاً ديبلوماسياً محموماً خلال الساعات القليلة القادمة ما بين عواصم الإقليم و رام الله، وذلك أن الإنتخابات الفلسطينية ليست شأناً محلياً فقط، بل هي حدث له إنعكاسات حقيقية على مستوى السياسة والأمن في المنطقة كلها، ولهذا فإن أطرافاً كثيرة ستلعب أدواراً حسب مصالحها وأهدافها إن كان ذلك بدعم إجراء الإنتخابات أو تأجيلها، وقبل أن أدخل إلى فكرة هذا المقال، فإنني أؤيد إجراء الإنتخابات، وفي مدينة القدس وفي قلبها أيضاً، من خلال إشتباك شعبي ورسمي وتعرية إسرائيل وديموقراطيتها، ولكن في حالة أن لا يكون ذلك فهذه فكرتي:
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون فإن تأجيل الإنتخابات - إن حصل تحت ظرف أو ضغط أو تسوية ما – يجب أن لا يعيدنا إلى المربع الأول من التراشق والإتهام والبحث عن ذرائع للتفكك والتشظي والمزيد من الإنقسام الذي قد يقود إلى الإنفصال .
التأجيل وحتى يكون إنطلاقة جديدة أو إجراء بدون أضرار ولا تبعات يجب أن يتم تحت شرطين إثنين هما: الأول/ هو أن يتم ذلك بالتوافق الوطني الكبير، حتى لا يكون هناك إشتباك داخلي يتم فيه إستبدال الإشتباك مع المحتل إلى الإشتباك مع أنفسنا، وبهذا المعنى فإن التأجيل من خلال توافق يعني منع الإنزلاق نحو الأضرار بالنظام الفلسطيني ولا النسيج الإجتماعي، وكذلك عدم تحمل طرف واحد آثار وتبعات ومسؤولية مثل هذا القرار الخطير الذي قد يعني إنتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة.
أما الشرط الثاني /فهو الإتفاق على برنامج عمل وطني أو خطة متكاملة من أجل اليوم الثاني للتأجيل، وهذه الخطة قد تفترض أو تضع المقاومة الشعبية المتفق عليها كنقطة إنطلاقة تجمع حولها الجميع، أو حكومة وحدة وطنية تمثل الكل الفلسطيني، أوإعادة النظر في الإتفاقيات مع المحتل لأن المحتل هو من منعنا من إجراء الإنتخابات ووقف في طريق حريتنا، أو التفكير جدياً في مستقبل السلطة الفلسطينية وإعادة كل شيء إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وما اقصده هنا أن التأجيل لا يقوم فقط على التوافق الوطني، وإنما يقوم أيضا على برنامج وطني، وذلك حتى نحتفظ بصورتنا العالية لأنفسنا وأمام جماهيرنا وأمام العالم.
التأجيل ليس قراراً سهلاً، ويجب أن يكون موقفاً سياسياً بإمتياز، نقذفه في وجه من إدعى أنه يرعى الديموقراطية، وفي وجه من أراد تجديد الشرعيات، ومن يستطيع أن يقول أقوالاً جميلة، ولكنه يعجز عن مواجهة (إسرائيل) أو الضغط عليها.
يجب أن لا يكون التأجيل مدعاة للإشتباك الداخلي، أو يكون تكريساً للواقع أيضاً، ولا يجب أن يكون تراجعاً إلى الخلف، بل مقدمة للهجوم إلى الأمام، بمعنى ترسيخ أُسس وحدة وطنية جديدة، وبمعنى إشراك الجميع في إستحقاقات المرحلة، وبمعنى البحث عن أدوات جديدة ومداخل أخرى للعلاقة مع المحتل.
التأجيل بهذا المعنى لا يصبح مجرد قرار اجرائي، ولكن يصبح قراراً أساسياً للتغيير والإنتقال إلى طور آخر من أطوار العمل الوطني على كل الاصعدة.
هل نستبق الأحداث.؟ ربما ! إذ أن الإتصالات الديبلوماسية لم تنته بعد، وقد نتفاجأ في اللحظات الأخيرة بمواقف من القيادة الفلسطينية، وحتى من المحتل الإسرائيلي، فكما قلت، فإن الانتخابات الفلسطينية ليست مجرد إنتخابات، بل هي انتخابات تؤثر على أمن وإستقرار المنطقة.