الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ثرثرة فوق صفيح الانتخابات

نشر بتاريخ: 2021-04-20 الساعة: 13:12


بقلم عمر حلمي الغول

تموج الساحة الفلسطينية بوجهات نظر متباينة حول إجراء الانتخابات في القدس العاصمة الأبدية. فمنهم من يرى ضرورة خوض معركة القدس عبر فرض الرؤية الفلسطينية على الأرض ودون أخذ موافقة إسرائيل عليها، وإلقاء برتوكول الانتخابات الموقع مع شمعون بيرس عام 1995 في المزبلة، والبعض الآخر يفترض أن ما يجري الآن هو خوض لمعركة القدس، وباتت العاصمة المحتلة عنوانا رئيسيا للمواجهة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وبالتالي كفى المؤمنين شر القتال؟ والبعض الآخر يقرأ معادلة التأجيل بتضخيم غير مسبوق، وأنها ستفاقم من مضاعفات الأزمة الداخلية في المشهد الفلسطيني وبعض آخر يعتبر عدم التمسك بإجراء الانتخابات ذريعة للتهرب من استحقاقاتها، ويفترض أن حركة فتح تخشى حماس أو تخشى الكتل المنشقة عنها؛ وبعض آخر يرى أن التلويح بالتأجيل في حال لم تتم الموافقة الإسرائيلية تعطيل لمعركة التخلص من اتفاقات اوسلو، والرضوخ لها؛ وبعض آخر لا يرى عمليا مانعا من التخلي عن الـ6300 مقدسي، وكأن الأمر محصور بالعدد وليس بالدلالة السياسية والقانونية، وحتى يقزم هذا البعض الأمر، لا يرى غضاضة من حرمان المقدسيين من المشاركة في الترشح والانتخاب، وعلى اعتبار أن كل المدن والمحافظات الفلسطينية تقع تحت الاحتلال الاسرائيلي؛ والبعض يعتبر أن الصحوة المفاجئة لأهمية القدس بعد إصدار المراسيم الرئاسية وتقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية والاستعداد للحملات الانتخابية، هي صحوة مفتعلة، وكأن ملف القدس ملف ثانوي؛ وآخر يفترض أن التفكير، مجرد التفكير بالتأجيل مؤامرة على الانتخابات وعلى المصالح الوطنية، وضمنا يقصد مصالحه وحساباته الشخصية، وعلى مشروعه.... الخ.

يتجاهل كل أصحاب الرأي بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم، أن معركة الانتخابات معركة وطنية بامتياز، وتصب في مصالح الشعب عموما، وهي جزء من معركة الدفاع عن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين المحتلة. ولعل اجتماع اللجنة التنفيذية الذي عقد أمس الأول الأحد برئاسة الرئيس ابو مازن، وكلمته الافتتاحية في الاجتماع خير تعبير عن تمسكه، وتمسك القيادة بمختلف تلاوينها السياسية بالانتخابات كخيار ضروري وأساسي لتثبيت الحقوق الوطنية، ولتعزيز الديمقراطية الفلسطينية، وتكريس مكانة وحيوية الشعب الفلسطيني كشعب يستحق الحياة والاستقلال والسيادة على ارض وطنه الأم. وبالتالي لا يحق لاحد المزاودة على احد، ولا يجوز لإبواق حركة حماس، التي عطلت العملية الديمقراطية خمسة عشر عاما المزاودة على احد، لانها جاءت إلى الانتخابات تحت سيف الضغط، وليس رغبة منها، وليس قناعة منها بالانتخابات. كما ان من يفترض ان حماس ستتمكن من تبوء مركز الصدارة في الانتخابات واهم، لان من صوت لحماس في ال2006 صوتوا لها رفضا للاخطاء والفساد الذي واكب تجربة السلطة آنذاك، فما بال الناس عندما إكتشفوا مصائب وفضائح وفساد فرع جماعة الإخوان المسلمين، واغتراب مشروعهم عن المشروع الوطني العام؟

وإدعاء البعض ان القيادة وحركة فتح تخشى المنشقين عنها، فاعتقد انه ينسى او يتجاهل حكم التاريخ على كل من ترك الحركة الأم، اي حركة فتح. ولم يكن الذين تركوا فتح في محطات سابقة أقل مكانة، لا بل العكس صحيح، كان بعضهم من المؤسسين، ولكن قافلة حركة فتح مضت قدما، وبقيت سيدة الموقف. نعم تغيرت الظروف، والمعادلات داخل الساحة وفي الإقليم، بيد ان الناظم لحركة الثورة والشعب والدولة والقيادة هو ذاته. ويعلم الجميع اني وللمرة الالف اؤكد، لست فتحاويا، واعرف اخطاء وخطايا الحركة كما يعرفها ابناؤها، ومع ذلك، ما زال الرهان على تبوء حركة فتح مركز الصدارة في الانتخابات، دون ان لا يعني ذلك، عدم تأثرها من إنعكاسات الانقسامات والارباكات الداخلية.

بالنتيجة فيما لو لم تسمح إسرائيل ال6300 مواطن فلسطيني وفق برتوكول ال1995 لا يجوز اجراء الانتخابات الفلسطينية، ويجب العمل على تأجيلها. لان اجراء الانتخابات على اهميته واولويته، ليس أكثر اولوية من القدس العاصمة. وال6300 مواطن مقدسي، هم الرقم الصعب، وهم عنوان التأكيد على مكانة ورمزية المدينة وفلسطينيتها وعروبتها، ولا يجوز لكائن من كان ان يتجاهل هذه الحقيقة. وهي جزء اساسي من خوض معركة القدس. هنا تكمن جوهرية ومركزية القدس العاصمة، وعليه لا يجوز التنازل عن حق ال6300 مقدسي في التصويت، وإذا كان حصل خطأ ما في عام 1995 في صياغة واليات عمل البرتوكول، فالجميع يعلم ان اوسلو فيه الف مثلب ومثلب ومع ذلك بني على الإضاءات الإيجابية المتناثرة فيه، وعليه الضرورة تملي التمسك بخوض المعركة مع الاحتلال الاسرائيلي، وليس الاستسلام لمشيئته، والموافقة على خيار الضم، والسقوط في براثن صفقة العار المشؤومة.

كفى ضجيجا وثرثرة فوق صفيح الانتخابات، واعتبار تأجيلها فيما لو حدث، وكأنه جريمة لا تغتفر، خمسة عشر عاما لم تجرِ فيها الانتخابات، ولم يحدث زلزال. تريثوا وتمهلوا في خطواتكم، وأعيدوا النظر في حساباتكم، وانظروا صوب الحلقة المركزية في المصالح الوطنية، ولا تصغروا شأنكم، وشأن قضيتكم، وكأن التاريخ سيتوقف عند عملية التأجيل من عدمها. مصالح الشعب فوق كل الأولويات، والانتخابات الفلسطينية اولوية، وضرورية جدا جدا جدا. لكنها ليست اهم من القدس العاصمة، ومعركتها ليست معركة مفتعلة، ولا ذرائعية، ولا نزوة، انما هي في صلب الثوابت الوطنية.

[email protected]

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024