الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الأَسيرات الفلسطينيَّات... روحٌ حُرَّة، وجسدٌ بين التَّعذيب النَّفسي المُمنهج والإهمال الطِّبي المُتعمَّد

نشر بتاريخ: 2021-04-19 الساعة: 15:06

الكاتب: د. خالد التلاحمة

 

منذُ قرابة نصف قرن، أقرّ المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1974م اعتبار السابع عشر من نيسان من كل عام يومًا وطنيًا للوفاء للأسرى والتَّذكير بحقوقهم المشروعة، وبما يتعرَّضون له من ظلم واضِّطهاد في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وما زلنا مع كلّ يومٍ، ينشقُّ فجره، نستمع إلى فواجع الأخبار باعتقال المزيد من أبناء شعبنا وفلذات أكبادنا وشبابنا وأطفالنا وبناتنا من قِبَل هذا الاحتلال، الذي يضرب بعرض الحائط جميع المواثيق والأعراف الدولية، وقواعد القانون الدولي، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السُّجناء... هكذا أصبحت دورة الحياة اليومية لثلَّة من شرفاء شعبنا الفلسطيني الأبيِّ! وما عسانا أنْ نفعل وقد تكالبت قوى الشر في هذا العالم على قضيتنا، وخذلنا أقرب أصدقائنا وتغاضوا عن محاولات إسكاتنا بكافة الوسائل، ولكنَّ أحدًا مِنّا لن يتخلى عن قضيته، وعن الدفاع عن الأسرى وحقوقهم المشروعة ما دام به عرقٌ ينبض بالحياة.

وفي يوم الأسير الفلسطيني وفي سياق حملات الاعتقال المحمومة التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق أبناء شعبنا ليل نهار، نستذكر طلاب وطالبات الجامعات الفلسطينية، ومنهم: طلاب وطالبات جامعة بيرزيت الذين وجدوا أنفسهم في بؤرة الاستهداف لحملات اعتقال مستمرة، وما زال عدد منهم يقبعون في سجون الاحتلال، إذ تم من جامعة بيرزيت وحدها اعتقال 455 طالب وطالبة خلال السنوات العشر الأخيرة، و75 طالب وطالبة خلال العام 2020/2021م، ومنذ تموز 2020م تم اعتقال 3 طالبات من جامعة بيرزيت ومنهم الأسيرة الطالبة إيلياء أبو حجلة، وذلك في انتهاك واضح لكافة المواثيق والصكوك الدولية التي تدين الاعتداء على الحرية الأكاديمية للطلبة، وعلى ممارسة حقهم في التعليم كأحد حقوق الأنسان الأساسية. ولمن لا يعرف إيلياء، هي واحدة من فتيات وطننا الواعدات... طالبة بدائرة القانون في كلية الحقوق والإدارة العامة بجامعة بيزيت... قانونية بامتيازٍ، تمارس حقها القانوني دفاعًا عن قضاياها المشروعة... وتمارس نضالها الشريف، وقد كَبُرَ على سلطات الاحتلال أن تستوعب هذه المشاعر الوطنية البريئة، فتقرر إسكاتها واعتقالها في ظروف بالغة الصعوبة والغموض.

وفيما تتعمد سلطات الاحتلال تقديم بيانات مضللة، فإنّ الصحيح منها يأتي غير دقيق ومتأخِّر، ولا يُدلِّل ذلك على وجود مؤشرات مُقنعة حول الوضع القانوني للمعتقلات، ولا عن ظروف احتجازهن، وخصوصية وضعنّ كبنات ونساء... ليعكس ذلك كله حالة القلق لدى الأوساط الحقوقية والأهالي على بناتهم المعتقلات، ولاسيما مع ما تَشِفُّ عنه أخبار وجود إصابات كثيرة بفيروس كورونا داخل المعتقلات الإسرائيلية؛ نتيجة اختلاط الأسرى الفلسطينيين بمصابين من موظفي وعساكر سجون الاحتلال، وخاصَّة خلال العام الماضي... الأمر الذي يُضاعف من الإحساس بالقلق إزاء الوضع الصحي للمعتقلات والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضنَّ له، ناهيك عن الآثار السلبية على الحالة النفسية لهن بسبب التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي المتعمد؛ فالحالة الذِّهنية والعقلية التي ظهر عليها الأسير المحرر منصور الشحاتيت تستدعي من كل المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم ومن منظَّمة الصِّحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تنظيم زيارة مستمرة للمعتقلين والمعتقلات في السجون الإسرائيلية للوقوف على أوضاعهم الصحية وظروف اعتقالهم، والدعوة موجهة للجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينية، وفي مقدمتها هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير والخارجية الفلسطينية في الاستمرار بوضع قضية الأسرى على سلم أولوياتنا لكشف ممارسات الاحتلال بحقهم، والتخفيف من معاناتهم، والسعي للإفراج العاجل عنهم.

إنَّ أسيرات الجامعات الفلسطينية لم يرتكبن ذنبًا سوى أنهنَّ، شأن الجيل الفلسطيني الجديد، شعرن بأنّهن صاحبات قضية ومارسن حقهن الطبيعي في حرية الرأي والتعبير الذي كفلته كل الشرائع السماوية والأرضية.... وسيأتي اليوم الذي ستخرج فيه جميع أسيرات الجامعات الفلسطينية، وسائر المعتقلين والمعتقلات الفلسطينيات... فهذه ليست أمنيات... فلقد عَوَّدنا الربيع أن الزهور لا تموت... فالمستقبل مشرقٌ بالأمل في الخلاص، طالمًا لدينا مَنْ ينتمون انتماءً حقيقيًا لوطننا العزيز.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024