الرئيسة/  مقالات وتحليلات

صراع القيم وتأثيره على جهاز المناعة

نشر بتاريخ: 2021-04-13 الساعة: 11:38


بقلم مهند عبد الحميد

إذا أردنا التعرف على مجتمع او دولة او حزب سياسي او مؤسسة او جيش، علينا التوقف عند منظومة القيم الموجهة، والنظر اليها بمعايير وقواعد اخلاقية وبمنظار الضمير الانساني الحي. فالمعايير تتعدد وتتباين وتتناقض وفقاً لأصحاب المصالح، فثمة قيم للقوى المهيمنة، كقيم السوق وتحرير التجارة التي تلبي مصالح كبار الرأسماليين، لكنها تلحق خسائر فادحة بالشعوب، وقيم السلام والحرية والديمقراطية تتشكل ايضاً وفقاً للمصالح بمضامين متناقضة. على سبيل المثال دخلت الدبابات الأميركية الى افغانستان والعراق كي تقيم الديمقراطية فيهما، لكنها فعلت العكس من خلال بناء انظمة موالية طائفية وفاسدة غير ديمقراطية. والشعوب التي تعرضت لاستعمار الدول الكبرى، كانت بحاجة الى التفوق الاخلاقي والانساني والمعنوي كشرط لا غنى له للتحرر. وقد سجل التاريخ تفوق المهاتما غاندي الزعيم الهندي على غطرسة القوة البريطانية تفوقاً جعل شعوب العالم الى جانب حرية الشعب الهندي، ما اضطر بريطانيا العظمى الى التراجع عن استعمارها والاعتراف بهزيمة قيمها الاستعمارية برغم تفوقها العسكري الهائل. وكذلك الحال حدث مع التدخل الاميركي في فيتنام وجنوب شرق آسيا.
بدوره، الاستعمار الاسرائيلي يكرر تبني قيم أسلافه المستعمرين التي تجسد الاطماع والجشع والتمييز، كان آخرها تكديس لقاح كوفيد 19 الفائض عن حاجة المجتمع الاسرائيلي، وحجبه عن الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، او مبادلته واستخدامه في صفقات سياسية مع دول اخرى، مسجلاً بذلك سقوطاً أخلاقياً. وترفض الدولة الاستعمارية الاحتكام للمحكمة الجنائية الدولية واضعة نفسها فوق القانون في الوقت الذي تقدم فيها نفسها على اعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة جزءاً من العالم الحر.
 ويسجل تضارب للقيم على صعيد كوني بين البلدان ذات الدخل المرتفع، التي «تلقى واحد من كل أربعة أشخاص فيها لقاح كوفيد -19 في المتوسط. أما في البلدان منخفضة الدخل، فقد تلقى واحد من بين أكثر من 500 شخص اللقاح». ولم يتم الالتزام ببرنامج كوفاكس الذي وعد بتوزيع الطعومات على البلدان الفقيرة بما لا يقل عن 100 مليون جرعة في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية آذار، وكان رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس قد حذر بداية هذا العام من أن العالم يواجه «فشلاً أخلاقياً كارثياً» بسبب عدم المساواة في توزيع اللقاحات. وقال إن نهج «أنا أولاً» سيكون هزيمة ذاتية. (المصدر: تقرير منظمة الصحة العالمية).
يحدث ذلك رغم أن القيم المعتمدة في شرعة حقوق الانسان واتفاقات جنيف وحقوق الطفل والمرأة ومواثيق اخرى لا تميز بين شعب وآخر ولا بين دولة وأخرى، لكن مصالح الكبار تفرض قيماً للدول الغنية واخرى للدول والشعوب الفقيرة. وفي سياق التدقيق في تناقض القيم يجدر بنا التوقف عند مواقف البلدان العربية التي أبرمت صفقات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مضفية بذلك مشروعية على الاحتلال والاستيطان ونهب الموارد الفلسطينية وارتكاب جرائم حرب والسيطرة على شعب آخر عبر نظام ابارتهايد، فضلاً عن مكافأته اقتصادياً بدلاً من معاقبته وممارسة الضغط عليه، وتقديم هذه المنظومة باعتبارها «عملية سلام» وحقاً سيادياً لتلك الدول. هذه المواقف تشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ونقيضاً لقيم التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وصراع القيم موجود أيضاً في المجتمع الفلسطيني وبخاصة في مرحلة الانتخابات، ويتجلى الآن في شراء الذمم والاستقطاب بالمال.
ويمتد صراع القيم الى صفقة شراء الهدوء بالمال الذي يجري العمل به شهرياً في قطاع غزة، حيث تأتي حقائب الأموال التي تتحكم في توزيعها أو وقفها دولة الاحتلال، هنا يبرز التناقض بين قيم المقاومة والتحرر والكرامة المعلنة وبين قيم شراء الهدوء وتأجيل الانفجار.
عناوين اخرى تندرج تحت بند صراع القيم، كاستمرار منح الرتب العسكرية الرفيعة، وتحويلها من رمز لخوض الحروب دفاعاً عن الوطن، الى مكافأة وظيفية. ان عدد الرتب العليا لدينا هي فائض عن حاجة البلد ولا يتناسب مع البنية العسكرية الضعيفة جداً ولا يتناسب مع فقدان السيادة، وقد آن لها ان تتوقف احتراماً لقيم حركة تحرر لم تنجز مهمتها بعد.
التشجير والعودة للأرض ظاهرة تحمل قيماً إيجابية صديقة للبيئة، غير ان تلويث البيئة بالنفايات وعدم الحفاظ على نظافة أماكن الاستجمام والمرافق العامة – الشوارع والساحات والحدائق والمستشفيات - هو قيمة سلبية تهدد البيئة. في المواجهة بين التشجير والتلويث يتغلب الأخير على الأول، وتتغلب القيم السلبية على القيم الإيجابية.
ما تقدم يعرفنا بالجهاز المناعي خاصتنا الذي يتكون من مجموعة القيم السائدة. فكلما كانت القيم الإيجابية أكثر كانت قدرة المجتمع على التماسك ومعالجة الأخطاء والتغلب على الصعوبات أقوى وأكثر نجاحاً، وكانت الثقة بقدرة المجتمع على الصمود أوفر حظاً، بينما تعطل القيم السلبية جهاز المناعة وتضعف التماسك المجتمعي. ومن مظاهر ذلك ترويج القيم السلبية والنفخ بها وتجاهل القيم الإيجابية في الخطاب المتداول وبخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
نحن بحاجة الى ترميم وتطوير الجهاز المناعي، بنقد كل القيم السلبية المتغلغلة داخل المجتمع، ونقد رموزها والضالعين في تحويلها الى تقاليد وثقافة عامة، والأهم بناء رأي عام مقاوم لها. والترميم يأتي عبر التزام واحترام القانون الذي هو بحاجة الى تطوير يتلاءم مع مجموعة الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها فلسطين. وتطوير المناعة يمر عبر إعادة الاعتبار لاستقلال السلطة القضائية، وعبر نظام تعليم تحرري وعبر إعادة الاعتبار لثقافة التحرر الوطني.  
[email protected]

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024