أوقفوا الجرائم ضد النساء
نشر بتاريخ: 2021-04-13 الساعة: 11:10
بقلم عمر حلمي الغول
ما زالت بعض العادات والتقاليد البالية والمتخلفة تضرب جذورها عميقا في الوعي المجتمعي في فلسطين عموما، وفي المدن والأرياف المحافظة خصوصا، وينتج عن هذا الموروث تعقيدات اجتماعية تنعكس على المرأة خصوصا، نصف المجتمع الأضعف والأجمل والأكثر عطاءً، وللأسف تدفع ضريبة غالية جدا لا تتوقف عند مصادرة دورها وحقها وكرامتها في المجتمع، وإنما يطال حياتها كلها دون وجه حق، وبرضى وقبول من المركب الاجتماعي المتناقض مع روح العصر، والرافض احترام والتعامل بإيجابية مع القوانين الوضعية الحامية عملية التطور الاجتماعي، والتي تحفظ مكانة ومساواة المرأة بالرجل في المجتمع.
ومن نماذج هذه الصورة السلبية ما أميط اللثام عنه في نهاية الأسبوع السابق وتحديدا يوم الخميس الماضي الموافق 8/4/2021 حيث تم الكشف عن جريمة جديدة وبشعة ضد امرأة فلسطينية، على يد والدها قبل أيام عدة، بعد أن اعتدى عليها بالضرب على مكان حساس برأسها، ما أدى لوفاتها. والمرأة لم ترتكب جرما، ولم تسئ لعائلتها، ولا تجاوزت القيم المتعارف عليها حتى بالعرف القبلي. وكل ما دافعت عنه، هو حقها في العودة لطليقها وأبنائها.
وللأسف حاول الوالد إخفاء الجريمة، وطمس معالمها وبشكل بشع يندى له الجبين، عندما قام بحفر حفرة عمقها 3 أمتار، ووضع جثة المغدورة فيها، وهال عليها التراب، ولم يكتف بذلك، إنما صب عليها الباطون. وهو ما يدلل على الإصرار في التكتم على الجريمة، وعدم الاعتراف بها بدل تسليم نفسه لجهات الاختصاص، والإقرار بالخطيئة والجريمة البشعة، التي ارتكبها.
وحسب المعطيات المنشورة، فإن الفتاة تم تزويجها بعمر الـ16 عاما، وبعد فترة من الخلافات الداخلية مع زوجها، تم طلاقها منه. لكن فيما بعد ذلك جرى التواصل بينها وبين طليقها، وتم تجسير العلاقات، والاتفاق بينهما بالعودة لبيت الزوجية، بيد أن والدها وأخوتها رفضوا مبدأ فكرة العودة وأصروا على الطلاق.
وهنا تكمن المصيبة وعمق الجريمة والخطيئة، أولا لا يجوز لكائن من كان حرمان المرأة البالغة من التقرير في مصيرها؛ ثانيا المرأة لم تتجاوز القانون، ولا أخلت بشرف العائلة، ولا تطاولت على والدها، وإنما طالبت بحقها الشرعي في العودة لزوجها وأبنائها؛ ثالثا الخطيئة استهدفت المرأة والقانون والحق العام على أكثر من مستوى، اللجوء لسياسة الزجر والإملاء وإخضاعها للمنطق العشائري المتخلف، الإقدام على العنف وارتكاب الجريمة عن سابق إصرار وتصميم، دفن القتيلة بطريقة مهينة وغير شرعية، السعي للتستر على الجريمة، وإخفائها لولا تدخل جهاز الأمن الوقائي واكتشافه الجريمة بعد التحري والمتابعة؛ رابعا تسيد المنطق الذكوري المرفوض؛ خامسا حتى بالمنطق العشائري، ووفق العرف والعادة، يجري عادة تغليب خيار المصالحة على المعاداة؛ سادسا ووفق الدين الإسلامي، إن "أبغض الحلال عند الله الطلاق"، وبالتالي كان الأجدر بالوالد وأبنائه إعادة ابنتهم لزوجها، الذي أقر بخطأ ارتكابه فعل الطلاق، وأراد إعادة زوجته له ولإبنائهما، وضمنا اعترافه بخطأ إطلاق النار عليهم.
إذا كيفما قلبت أوجه الجريمة تجد الوالد وأبناءه ارتكبوا جريمتهم عن سابق تصميم وإصرار، ولم يحسنوا التصرف، وأعماهم تخلفهم وبؤس تفكيرهم عن اختيار الطريق الأسلم والأنسب لهم ولابنتهم وزوجها، ووقعوا في شر أعمالهم، وهو ما يستدعي من جهات الاختصاص محاكمة القاتل محاكمة تعيد الاعتبار لمكانة المرأة، وللتأكيد على أن المرأة كائن حي، مساو للرجل، ولها الحق كل الحق في التقرير بمصيرها وخيارها وحياتها ومستقبلها أسوة بأشقائها وبالرجال عموما، ولتكن المحاكمة بمثابة الدرس والعبرة للمجتمع الذكوري العشائري المتخلف، ولتعميد دور ومكانة القانون العام كأساس ناظم للعلاقات بين أبناء المجتمع جميعا داخل الأسرة وخارجها، وفي مختلف مناحي الحياة، ولا يجوز أن تمر الجريمة البشعة دون عقاب صارم، حتى يكون عبرة لمن يعتبر، وحتى تتوقف جرائم القتل العبثية ضد النساء دون أدنى معايير الأخلاق والقيم والقانون والعدالة الاجتماعية.
mat