الرئيسة/  مقالات وتحليلات

قصة الضرب الذي يُفضي إلى الموت!

نشر بتاريخ: 2021-04-11 الساعة: 11:49


بقلم   ريما كتانة نزال

تقول قصة رنا حداد، إن وقوعها من علوّ قد أورثها مشاكل نفسية وعقلية، أصبحت تثير جلبة وصخباً أزعج الجوار، ما جعل والدها يقف أمام مسؤولياته الأبوية فقام بضربها ليؤدبها، ويبدو أنه قد أفرط قليلاً في واجباته التأديبية فماتت رنا بين يديه.
تقول القصة أيضاً، إن الأب قام بدفن جثة ابنته في حفرة عميقة، لكن القصة لم تذكر إنْ كان الوالد قد أقام صلاة الجنازة على ابنته كونه رجلا مؤمنا بالعقاب في يوم الآخرة، وأحب أن يتعاقب في الدنيا، كونه لم يقصد القتل بل أراد ممارسة حقه في تأديب ابنته ولم يبيِّت نيّة القتل، لكن قدَّر الله وما شاء فعل.
تقول القصة، بعد خمسة عشر يوما من البحث المتواصل بمشاركة الوالد القاتل عن «رنا»، التي كانت تشكو من الخفّة وعدم التوازن، قام الرجل بتبليغ الجهات المختصة عن فعلته الشنيعة وأرشدهم إلى المكان الذي دفن به ابنته الشابة، معترفاً بفعلته الشنيعة مدعياً قتله ابنته عن طريق الخطأ.
القصة تستكمل فصولها، وبعد تفكير وعلى وقع تأنيب الضمير لجأ للعائلة التي لم تبخل بتقديم النصيحة بناء على تجارب سابقة. تتلخص النصيحة بالمبادرة إلى قيام الجاني بتسليم نفسه كون الموت قد تم قضاءً وقدراً. ولمزيد من الحماية قدمت له الغطاء العشائري ضمنته في بيان صادر عن العشيرة للرأي العام يبرر الجريمة ووضعها ضمن مفهوم الحوادث العرضية والموت الخطأ.
أرادت العشيرة صناعة رأي عام حول القضية كموت عن طريق الخطأ، وابتغت ترسيخ ثقافة القانون العشائري كأحد مراكز القوة والنفوذ في التأثير على القوانين وتطويعها لقانونها وحلولها، وخاصة في قضايا القتل وعلى وجه الخصوص عندما تكون الضحية امرأة، ما يفرغ دور القانون ومؤسساته من دورها وصلاحياتها ويضعف دورها في تعميم ثقافة العقاب والردع وعدم إفلات الجناة من العقاب بل في النتيجة تأتي بمفعول عكسي يُشجع على ارتكاب المزيد منها.
وأُذكِّر بقصة «إسراء غريب» التي تقول، إن قضية مقتلها المروع قد كُيِّفت على أساس أنها «ضرب أفضى إلى الموت»، كون القانون الذي كُيِّفت على أساسة متقادما واكل عليه الدهر وشرب، بسبب الاستعصاء الذي يواجه تحديث القوانين الموروثة عن الأردن ومصر وما زالت سارية المفعول في فلسطين؛ بينما تجددت وتعدّلت في بلاد المنشأ لتتناسب مع السياقات المحلية وتطوراتها.
أي أن ما حصل مع «إسراء غريب» نموذج لما سيحصل مع قضية قتل «رنا حداد»، فبعد قرابة ثلاث سنوات على قتل «إسراء» قررت محكمة بداية بيت لحم الإفراج عن المتهمين بكفالة، مسجلة التساهل والتسرع في قضية تم تصنيفها كجناية، وأنها أحد القضايا التي أثارت الرأي العام على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي.
البيان العشائري في قضية «رنا حداد» يستسهل الجريمة بما يجعله مُداناً ومستغرباً، كونه جعل من نفسه مدافعاً عن الجريمة وعن المجرم ويضع نفسه شريكا في تبرير الجريمة وطرفاً من أطرافها، بحق المجتمع وأمنه وسلامه.
البيان يبرر القتل بحجة تأديب الضحية بسبب عدم توازنها معتبراً أن إنهاء حياة الشابة مجرد إفراط في استخدام القوة وأدرجها في سياق القتل العرضي والقضاء والقدر، دون أن يتوقف مُعِدوه أمام قيام الجاني بدفن الجثة ودفنها وإخفاء الجريمة خمسة عشر يوما. إنه العذر الأشد قبحاً من الذنب!
قصص الضرب الذي يفضي الى الموت أو الإعاقة كما وقع في قضية فتاة جنين أصبحت متكررة لأن قانون حماية الأسرة وقانون العقوبات ما زالا حبيسي الأدراج.
«رنا حداد» تضع الجميع في قفص الاتهام وشركاء في الجرائم، من قتل ومن برر ومن يعيق صدور القانون الرادع الذي يضرب بيد قوية كل من تسوِّل له نفسه ارتكاب الجريمة.. ويجعل كل من يصمت عليها متواطئا وشيطانا أخرس.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024