" فيلم اونلاين " .. بالفن ننتصر لفلسطين
نشر بتاريخ: 2021-04-06 الساعة: 09:34موفق مطر
من قال بقصور العقل العربي وضعف قدرته على الابداع ، فهو لا يملك الحد الأدنى من المعرفة ، وما إطلاق احكام ومقارنات عبثية لا موضوعية ومجردة من المنطق مابين الشخصية العربية والشخصية الانسانية الجامعة لكل اجناس أبناء آدم وأعراقهم وألوانهم شأنها وهدفها الأساس تفريغ ألأمل فرديا كان او جمعيا بإمكانية انبعاث الحياة في الجذور الحضارية للأمة العربية ، والعمل على ملئه ورصه ورصفه ايضا بالإحباط واليأس والمفاهيم والتعاميم الجاذبة للموت والمحفزة على الاستسلام والتسليم بسيطرة وسطوة الظلم والمرض والجهل .
يتطور مفهوم المناضل في ثقافة الأمم والشعوب حسب درجات سلم الارتقاء نحو سدة الانسانية المرادفة لمعاني كثيرة كالسلام والحرية والحق والجمال ، فيحل احيانا مصطلح المثقف والمبدع مكان مصطلح المناضل الذي تم حصره كمصطلح مستخدم في ميادين الكفاح الميداني والسياسي ، لكن وبما أن المناضل لا يكون كذلك مالم يتمتع بالقدرة على الابداع ، وتجسيد فكرة الحرية بالانتصار للحق ومناهضة الظلم ، ويكون هدفه الأول والأخير الانتصار للسلام كحتمية لابد منها على الأرض لرؤية عالم الانسان في احسن صوره .
عايشنا خلال نصف القرن الماضي شعارات سياسية وثقافية واجتماعية ومنها المتعلقة بالصراعات الطبقية ، منها ما كان منطقيا موضوعيا قابلا للتجسيد وفعلا قامت له قائمة وان كان بعضها غير مكتملة ، ومنها ما بقي مجرد حبر على ورق ، لكن اعظمها وأكثرها اضاءة وإشعاعا تلك التي اطلقها رواد الثقافة العربية بأشعارهم ورواياتهم وقصصهم وإبداعاتهم في الرواية والقصة والموسيقى والفنون التعبيرية والسينما ، حتى باتت هذه ألأعمال على اهميتها وجماليتها مرجعا ليس لينهل منه المواطن العربي معرفة بتاريخة ووقائع حاضره بما فيه من ايجابيات وسلبيات ، والرؤية المشرقة لمستقبله وحسب ، بل ليتخذه المناضلون السياسيون القادة تعبيرا عن الحقوق التاريخية والطبيعية والأهداف السياسية فكلنا سمعنا رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس في خطاباته على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يؤكد أمام ممثلي العالم الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في ارض وطنه فلسطين : "هنا كنا ..هنا باقون وهنا سنكون " وهي موجز مكثف لقصيدة الشاعر الفلسطيني العظيم توفيق زياد عنوانها (هنا باقون ) أما محمود درويش الذي أنشد ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة ) فقد اصبحت كبسملة لكل خطاب سياسي او ثقافي فلسطيني أو عربي يخص فلسطين .. ولنا في بيت شعر ابو القاسم الشابي التونسي :( اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ) الذي يردده الاشقاء العرب من المحيط الى الخليج كتعبير عن ايمانهم بإراداتهم وحتمية انتصار الحق ونصرته من القدير ، وهذا خير مثال على على التزاوج بين الارادة في الحياة وبعث الأمل وبين الرؤية الانسانية الخالصة لمعالجة قضايا الانسان دون عامة .
نكتب هنا عن الأمل والإرادة فيما بكرة المهرجان الدولي الأول لفيلم اونلاين قد تم تدويرها تحت شعار " بالفن ننتصر على الكورونا " ، ويعنينا في هذا السياق أن صاحب الفكرة والشعار عربي من توأم فلسطين المملكة الاردنية الهاشمية الشقيقة هو المخرج هاشم القضاة ..فنحن امام فكرة انسانية نبيلة بلا حدود ، وسرني جدا أن يكون هذا العربي المثقف أول من جسد فكرة الانتصار بالارادة المجسدة في الابداع وانتشال الأمل بالحياة من طوفان الموت العبثي الداهم ( الكورونا ) وجائحة قاتلة لا ترحم لا تفرق بين عرق وجنس وإنسان ، تداهم الجميع وتأخذ الضعفاء والأقوياء على حد سواء ، وكأننا امام سيرة ظلم استعماري عنصري داهم أرض أمة البشر فعاث في شعوبها وأممها موتا وفسادا ليمنع جذور شجرة الانسانية من النمو والتطور ...
لم ينجح الفايروس في التسلل الى أدمغة مبدعين مثقفين حتى وان نجح في التمدد في خلايا الملايين من أمة الانسان فأزق ارواح مئات الآلاف وتمكن من الحاق الأذى البالغ بأعصاب الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية في دول كبرى وعظمى كما في الصغرى والمصنفة عالم ثالث ، لكن هذا الفايروس الشبيهة عدواه بحملات الغزاة والمستعمرين والمستوطني العنصريين ، وقف عاجزا أمام ارادة ما نسميهم اليوم المناضلين من اجل بعث الأمل بالحياة ، فكانت فكرة المهرجان رسالة للإنسانية جمعاء ، وفخرنا انها عربية بامتياز يقودها مخرج اردني يحمل جنسية ايطالية ، استطاعت تطويع تكنولوجيا الاتصال والتواصل الاجتماعي وتسخيرها لخدمة الفن ، فمن مجموعة على الواتساب بات لدينا مهرجانا دوليا ببصمة عربية فيها من الآمال الانسانية ما يكفي لنزع المخيلة السلبية التي كونتها الآلة المضادة للانسانية عن شخصية الانسان العربي .
الأفلام العربية في المهرجان تطرح آثارا نفسية وقضايا اجتماعية وإنسانية خلفها وما يزال وباء كورونا القاتل وسيكون للجمهور فرصة للتصويت عن بعد – عبر مشاهدة ألأفلام عبر الموقع الخاص بالمهرجان بنسبة 40% ، أما ال60 % الباقية فإن نخبة من الفنانين العرب على رأسهم الفنانة المصرية المخضرمة سميحة ايوب الى جانب مخرجين وشخصيات ذات باع كبير في السينما العربية والدولية ، وسيكون مفيدا الاطلاع على اسماء الأفلام المشاركة ليتمكن الجمهور الفلسطيني من الادلاء بدلوه في اختيار افضل الأعمال ، كبرهان على أن فايروس الاحتلال والاستعمار العنصري الاسرائيلي لم يمنعه من التفاعل والتواصل مع أي عمل عربي ابداعي انساني فالفلسطيني معني اولا وأخيرا بالانتصار لفكرة التمسك بالحياة والصمود في مواجهة الأخطار ايا كان نوعها، وإبقاء جداول التواصل العذبة الرقراقة بين المثقفين المعنيين بالسلام والحياة الأفضل في العالم ، مع فتح المجالات للشباب والموهوبين لإثبات ذواتهم وقدراتهم الابداعية خاصة وأن الأفلام ما احتاجت لتمويل انتاج وإنما لتجميع امكانيات توجتها ارادات لإثبات قدرة المبدع على الانتصار لانسانيته المهددة بالانكسار والسقوط أمام فايروس لاتراه العين حتى !! فالفن لغة تواصل انسانية ، وبه تكتب الرسائل المفعمة بالمحبة والحرية والأمل .
أما الافلام فهي: (العودة) للمخرج أحمد مصطفى وكتبت السيناريو له والأشعار المغناة فيه المهندسة الفلسطينية سندس دنون، وشاركت فيه الممثلة الفلسطينية راشيل عويضات ، وفيلم (كان يا ماكان) للمخرجة رينا جريد ، (رسالة تهديد) للمخرج عادل بدر، (الانكسار) للمخرج مجيد كاظمي، وموعد مع الضجيج" للأردنية إنصاف المصري.
سيتجاوز المهرجان الحواجز الثقافية، للتعبير من خلال الفن و ابداعات المتميزين، ستحضر بقوة في التقنيات الحديثة ، والوسائط المرئية والصور الرقمية ، وسيشكل نقلة في الرؤية الأحدث للتمثيل في ألأفلام وتصويرها وإخراجها وكذلك كتابة السيناريو ، مايعني فرصة قيمة لإعادة صياغة معنى صناعة السينما في ظل الثورة التكنولوجية عموما والرقمية تحديدا ، وتبوء المبدعين العرب لمكانتهم الطبيعية باعتبارهم رسل حضارة كانت هذه المنطقة قد اخذت دورها في الاشعاع بها على العالم ، وبإمكانها الاستمرار برسالتها ، والمهرجان نموذج عربي ابداعي سيحظى بمكانة مشرفة وسيكون انجازا مميزا متفردا باعتباره الأول عالميا لذلك نتمنى حضورا مميزا لفلسطين في الدورة الثانية ، ولعلنا نشهد شعار :" فيلم اونلاين " بالفن ننتصر لفلسطين " رغم قناعتنا وإيماننا بأن انجازات المثقف والمبدع العربي الانسانية هي انتصار لفلسطين ، لأن حريتها واستقلالها والسلام لشعبها حلم الشباب العربي المناضل المبدع .
m.a