الرئيس أبو مازن يقزم أرغمان
نشر بتاريخ: 2021-04-04 الساعة: 12:03
بقلم عمر حلمي الغول
غباء القيادات الصهيونية وقبلها الأميركية يكمن في التعاطي مع الشعوب ورموزها باستخفاف واستعلاء وغرور، ومن موقع الإملاء ووفقا لمصالحهم، مفترضين أن القيادات جميعها من طراز واحد، ويمكن تطويعها بالرشوة أو بالتلويح بالعصا الغليظة، ولهذا تفترض أن كل الزعماء من لون واحد، كونها وجدت من الزعماء الوهميين والمفبركين طوع بنانهم، وجيروا مصالح شعوبهم ودولهم في خدمة قوى الشر والإرهاب المنظم في العالم.
ما تقدم من مدخل مرتبط باللقاء الذي جمع الرئيس محمود عباس مع نداف ارغمان، رئيس جهاز الشاباك الصهيوني ومع مسؤول وكالة المخابرات المركزية الأميركية ((CIA في إسرائيل في بحر شهر آذار/مارس الماضي، والذي حاول فيه الضابط الإسرائيلي فرض أجندته وخياره الاستعماري على رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في أكثر من ملف، أولا ملف الانتخابات البرلمانية في 22 ايار/ مايو المقبل، حيث طالب بإلغائها متذرعا بالخشية على فتح وقيادة السلطة؛ ثانيا فك التعاون بين حركتي فتح وحماس، لأن حركة حماس كما قال، "إرهابية"؛ ثالثا عدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس العاصمة الفلسطينية؛ رابعا مطالبة الرئيس بعدم التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، باعتبار ذلك خطا أحمر صهيونيا؛ خامسا التلويح للرئيس محمود عباس بعصا التهديد والوعيد والملاحقة القانونية أمام المحكمة ذاتها (الجنائية الدولية).
رد الرئيس محمود عباس، ليس كما أعلن فيما سبق "إشرب قهوتك ومع السلامة"، لا، كان رده مفحما ومسؤولا ومقزما لمكانة ودور ضابط الشاباك الأول، وفي ذات الوقت رسالة موجهة لقيادة الـ ((CIA، حيث قال أبو مازن، لا تراجع عن إجراء الانتخابات في ايار/ مايو المقبل، وبغض النظر عن النتائج ربحت حماس أو ربحت فتح. وأنت لا تملي علي ولا على القيادة الفلسطينية ما تريد؛ وأما عن اتهامك حركة حماس بالإرهاب، فأنتم من صنعها، وأنتم من يدعمها ويوصل لها كل شهر 30 مليون دولار، كما أنكم خضتم معها ثلاث حروب بهدف المحافظة عليها، وتلميعها؛ وبالتالي أنا سأحافظ على التعاون معها، وهي جزء من شعبي، ولن أسمح بإسالة نقطة دماء واحدة، وهذا خياري منذ حصل الانقلاب في أواسط عام 2007، وقبلنا بكل الاتفاقيات والإعلانات لنتفادى أية حروب بينية، ولحماية شعبنا، وإن نجحت في الانتخابات كما فعلنا في عام 2006 سأسلمها الحكومة؛ وأما موضوع المحكمة الجنائية الدولية، فأنتم لم تبقوا على العين قذى، ومارستم وما زالتم تمارسون كل أشكال البلطجة والضم والتهويد والمصادرة واغتصاب البيوت والأملاك في القدس العاصمة وفي عموم الضفة، فضلا عن الانتهاكات المتكررة والخطيرة من قبلكم ومن قبل الجيش وقطعان المستعمرين، ولم تذعنوا للإرادة الدولية، كما لم تفرض عليكم القوى الدولية أية عقوبات لردع سياستكم التدميرية، ولم يبق لنا سوى محكمة الجنايات الدولية لوقف سياساتكم العنجهية والعدوانية، ونحن لن نتراجع عن هذا الخيار. وأما أنكم تريدون رفع دعوى علي شخصيا وعلينا، فأنا موافق ولنقف سويا أمام المحكمة الجنائية الدولية، ونجلس في زنزانة واحدة وليقرر العالم من الذي يمارس الإرهاب.
بالمحصلة عاد ارغمان الصهيوني لقيادته بخفي حنين. ولم يفد تهديده ووعيده في ابتزاز رئيس دولة فلسطين المحتلة عام 1967، لا بل خرج مهزوما وقزما ضعيفا أمام قوة المنطق، والرد العلمي والمسؤول والحكيم، والبعيد عن الديماغوجية والشعاراتية الفارغة، ولكنه المستند إلى الحقائق والوقائع المعطاة على الأرض. كما وأكد الرئيس محمود عباس لارغمان، أنتم الذين لم تلتزموا بالاتفاقيات المبرمة بيننا، ودعوناكم للمفاوضات، لكنكم رفضتم الاستجابة لدعواتنا المتكررة، وانسقتم مع منطق الرئيس الأميركي السابق، ترامب، الذي رفضت إملاءاته، وقلت له بالفم الملآن: لا لصفقة القرن، هل تريدني أن أذعن لقراراتكم، كيف؟ وعلى أي أساس؟ وبالمحصلة تهديدك لا يغير من موقفي وموقف إخواني في القيادة الفلسطينية.
مرة أخرى تملي الضرورة تذكير القادة الصهاينة من كل المستويات، ومن خلفهم حلفاءهم الأميركيين ومن لف لفهم، القيادة الفلسطينية، هي قيادة نضال شعب من أجل التحرر الوطني، وليست قيادة عميلة أو مأجورة تباع وتشترى بثمن بخس، أو بتهديد صفيق وأرعن وتافه كمن وجهه للرئيس محمود عباس. وقد تستطيع القيادة الصهيونية ارتكاب جرائم متعددة ومتشعبة ومن مستويات مختلفة، ولكنها لا تستطيع انتزاع إرادة الشعب البطل، ولا فرض الإملاءات على القيادة الوطنية المجربة. نعم القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس تناور، ومرنة جدا، وتتعاطى بدبلوماسية، وتعمل على تعزيز خيار المفاوضات، ولكنها لا تحيد قيد أنملة عن الثوابت والمصالح الوطنية العليا.
[email protected]