كنز فتح بين الخطأ والصواب.
نشر بتاريخ: 2021-03-22 الساعة: 09:52بكر أبوبكر
لا يضير الذي يشق طريقه بثقة وعنفوان مسلحًا بتاريخه ونظرته الجليلة نحو المستقبل ومسلحًا بقيمه وأفكاره الصائبة لا يضيره أن يخطيء، نعم، ولكنه يخسر كل الخسارة حين يضيق صدره بمن يقوّمه أو يتفلت كمن يريد الفتك به.
هل أخطات حركة فتح مؤخرًا، وذلك في فيض انجازاتها، وصوابية قراراتها العديدة؟ نقول نعم، وهذا لا يعيبها، بل يقوّيها ومن أحد عوامل نصرها..
أنجزت حركة فتح مسار الوحدة الوطنية مؤخرًا من خلال إعادة المركبة الى المسار الطبيعي كحوار متواصل بين الأشقاء، وهذا لعمري مما يُسجل للحركة الصابرة القادرة بأحرف من نور.
نجحت حركة فتح كنز فلسطين المرحاب بجرّ كل الفصائل المتشاكلة لمربع الاتفاق بعيدا عن مفاعيل الاتهام والشتم والتخندق، وبعيدًا عن حالات الغضب والتوجس أوالحيرة والتفلت من أي التزام فوافقت على القليل ولكنه في ميزان الدفع نحو الوحدة كثير.
أنجزت حركة فتح في القاهرة (16-17/3/2021م) ميثاق شرف لو التزمت فيه الفصائل فقط ببند عدم التشاتم والتنابز والاتهام لكفاها وكفى حركة فتح شرفًا أنها جلبت الجميع بمحبّة نحو هذا المربع بعيدًا عن الحزبية الضيقة أو ادعاءات احتكار الصواب أو الحق أو الدين أو الوطنية.
كل الفصائل في القاهرة فصائل وطنية بمعنى أنها تعمل وفق أنظمتها للوطن باعتبار تحريره الغاية الكبرى، لذا لم يكن من المريح أبدا الفصل بالقول إسلامية ووطنية، وكأنهما على طرفي نقيض! فالكل مسلم ولم يكن الاسلام اختصاصًا يتفرد فيه مسلم أو جماعة مطلقا، ومن فعل ذلك عبر التاريخ زال وبقيت الأمة مسلمة.
لقد نجحت حركة فتح أن تسير بألق القضية العادلة رغم حقول الألغام ودرب الأشواك التي حذر منها الخالد فينا ياسر عرفات، فسارت بخطوط متعرجة، وخرجت الحركة العملاقة من عديد كبواتها ونجحت في الاصطفاف ضد الاحتلال، والمظالم وضد العبث في جسد الوطن.
مَن لا يتصدى للحق أو ما يظنه حقًا فهو شيطان أخرس، لذا لنقل بوعي أن قليل من النقد المسبق أفضل من كثير من اللطميات التي قد تُقام بعد نتائج الانتخابات، فلعل وعسى.
لقد أضرت الحركة بذاتها كثيرًا عندما تفجرت قضاياها الداخلية الى العلن ففصلت وأقالت، وقررت بضيق، وتعاملت بمنطق الحزب الستاليني، وما كانت الحركة كذلك أبدًا، إذ هي مرحابة تتسع ولا تضيق، وتُمهل طويلًا كما أمهلت حماس 15 عامًا حتى الآن وهي تقبض على غزة الى أن جاءت للسِعة والرحابة! سِمة فتح كنز فلسطين، فكيف لها أن لاتمهل قياداتها وكوادرها وعناصرها أن يهضموا ويستوعبوا ما تودّ القيام به؟ فكان حجم المركزية في فتح صادمًا للديمقراطية.
فتح التي اعتاد أبناؤها ومنصفو الأمة على تعريفها أنها تشبه شعبها، وهي بنت فلسطين، وهي أم فلسطين كما قال عنها الشيخ هاني فحص لأن فيها تنوع الشعب الفلسطيني والعربي، وهي كنز فلسطين بحضنها الدافيء وحديقتها المتنوعة، وهي التي لا تضيق من تحرك هنا أو هناك فكيف بها حين تنفعل انفعالا شديدا فتقرر منع ما لايقل عن 500 عضو (الرقم تقديري، وهم المركزية والثوري ولجان الأقاليم) من إعلان نية الترشح للانتخابات التشريعية؟ رغم أهمية القرار من جهة أخرى لضبط فوضى النوايا حين تقفز للعلن.
أين الخطأ وأين الصواب في التحالف مع "حماس" بعد 14 او 15 عامًا من الانقلاب والخصومة والحوارات؟ قد يقول قائل نعم نحن مع القائمة المشتركة وله في ذلك وعي وتفكّر، قد يقبل أويرفض، ومن قائل أنه في اللحظة التي نستوعب فيها "حماس" نضيق ب500 عضو من قيادة الحركة ولا نجعلهم ضمن القوائم! أليس الأقربون أولى بالمعروف تنظيميًا من زاوية الرحابة والاتساع والتمثيل والمحبة؟ ألن يعاقبنا الشعب بهذا التحالف الفُجائي على كل هذه السنوات من الانقسام؟ نحتاج لتفكر.
ألم يكن من الأوجب انصياعنا جميعًا للنظام الداخلي (قانون الحركة) الذي يُلزم اللجنة المركزية مسبقًا على وضع آليات محدّدة (لائحة داخلية) لاختيار مترشحي فتح المحتملين للمجلس التشريعي، بدل اللجوء لمنطق القرارات المركزية دون المشاورة المسبقة والمكتملة، والمشاركة المؤطرة، والتواصل التنظيمي الدائم ما هو أصل الحركة المنفتحة.
في ذات المسار الصائب منه والمخطيء كان أن ضاق صدر الحركة المركزي بصوت خرج منها كنّا قد نبّهنا عنه داخليا، إذ ضاقت بفكر الأخ القيادي بالحركة نبيل عمرو، وله رأي انفتاحي قد نتفق أونختلف معه لكنه قابل للحوار والأخذ والردّ، كما ضاقت بطروحات ونوايا د.ناصر القدوة التغييرية، فكان الفصل والقطع والإقالة، ولم تستوعب طروحات عدد من الأخوة الآخرين المقربين من الأخ مروان البرغوثي ورأيهم بالتغيير الآمن واستغلال كنز الحركة، وكما الحال بعدد آخر من المستنكفين أوذوي الرأي المختلف أو (الزعلانين) ما كان الأوجب أن نصبر عليهم (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ134-آل عمران)، ونتعامل معهم بسِعة النظام، وانشراح الصدر الرسولي، وليس ضيق التعسف في الاستخدام الانتقائي لبعض بنود النظام.
لا نريد للشعب الفلسطيني وفي جلّه من الشباب اليوم أن ينظر للحركة العملاقة برحابتها وديمقراطيتها، كنز فتح، كنز فلسطين، من عباءة الاستبداد والاحتكار أو الأوامر المحبِطة، أوالتقاسم المصلحي مع "حماس" كما بدأ يتردد.
ولا نريد للشباب الفلسطيني أن يستقر في ذهنه أن قرارات الحركة الكثيرة في الأيام الأخيرة إنما هي لدفن فكرة المشاركة الحقيقة والمشاورة والرحابة التي وجب أن تظل كنزنا، وأن يُعاد تفعيلها لمزيد من الحرية والديمقراطية والمشاركة والالتزام وقليل من المركزية.
لا يضيرنا أن نُنتقَد أو أن نخطيء أبدًا، ف(خير الخطائين التوابون) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وحركة فتح هي حركة الخطائين التوابين، حركة المبدعين الجاهزين للفوزبإذن الله.
إن الشعب الفلسطيني واعٍ ولربما يكون في مراحل عديدة أوعى وأبعد نظرًا من قياداته، كما كان يردد الراحل ياسر عرفات، فلا نريد للشعب الفلسطيني أو لحركة فتح أن يكونا على طرفي نقيض، بل نريد أن يظلا معًا يمثلان فلسطين ضمن الحركة الكنزالتي تبسط جناحيها لتشمل حديقتها الكل الفلسطيني كما فعلت في ميثاق القاهرة بنجاح منقطع النظير مؤخرًا.
في حركة فتح اليوم تحت قيادة الاخ الرئيس أبومازن رئيس الدولة والحركة والمنظمة متسعٌ كبيرٌ للاستيعاب، ومتسع كبير في بستانها للرحابة، فلا "يضيق صدرك بما يقولون".
m.a