( نحن ) المضادة ( للأنا ) في الثورة والدولة
نشر بتاريخ: 2021-03-11 الساعة: 08:15موفق مطر
لا تنجح الثورات دون مبادئ وأهداف واضحة محمية بنظام وقرارات مركزية حاسمة , ولا تُرفَع أعمدة الدول دون ثورات هادئة متتالية مبرمجة تقضي على البالي المتخلف والظالم من القوانين والسلوكيات والموروثات الاجتماعية والثقافية الخطأ كلما عاود الظهور والبروز في أجواء انتهازية، فالدولة ثورة دستورية هادئة وحركة عقلانية لا يغيب عنها نور العلم والمعرفة ابداً.
يميز مناضلو الحركة الوطنية بين قصب أجوف هش لا يصلح إلا لبناء عرائش ومظلات وفزاعات مؤقتة لا تحتمل البقاء في الظروف الطبيعية لأكثر من موسم , وبين أعمد بناء صلبة متينة تمر عليها ألأعاصير وتحرك أرضها الزلازل لكنها تبقى ثابتة شامخة لا تتشقق ولا تنهار، ذلك أن قواعدها التي نسميها (الوفاء ) هي خلطة من العلم والثقافة والقيم الأخلاقية والتجارب مجبولة بدماء الشهداء أبناء الأرض وعرق الأحياء فالإنسان هو الأصل في الدولة كما في الثورة .
يتجرد المناضل في الثورة من ( الأنا ) ويتحرر من دائها ، لأنها لو بقيت في نفسه لأصبحت لغما موقوتا قابل للانفجار بإرادته أو بفعل فاعل عن قصد ، وكذلك يفعل في مرحلة الدولة ، ولولا تحول الأنا في الثورة والدولة إلى انعكاس طبيعي للإبداع والعطاء وتصير بفعل الانتماء والالتزام (نحن ) عظيمة بلا حدود ، لا يمكن لأعدائها اختراقها أو إخضاعها أو السيطرة على مسارها ، لانهزمت الثورة ولا قامت أركان الدولة أصلا .
ننتقل من حركة الشعب إلى ثورة الشعب ثم الى دولة الشعب ،عندما نجسد مبدأ العدالة والمساواة في كل مسار من مسارات حياتنا في الوطن ، وننصب ميزان الحساب والمساءلة ونعلي سيادة القانون .. ونقدم نماذج وأمثلة تحتذى في التقدم ومواكبة التطور في العلوم كلها على رأسها السياسية ، فهذه كفيلة بضمان ثقة شعب الدولة بروادها وخططها وبرامجها .
الأنا في حسابات المناضلين في الثورة والدولة مرض خبيث ، وفايروس وباء لا يبق ولا يذر إذا مكنه أصحاب مراكز ونفوذ ومنحوه فرصة للانتشار لذا فإن أي خطط وبرامج في الدولة لا تتضمن إجراءات وقائية أو علاجية فإن مبادئ الثورة وأهدافها , وقوانين الدولة ومؤسساتها ستصبح كغابة لا ينج منها إلا أصحاب المخالب والأنياب .
استطاعت حركة فتح تحقيق نقلات نوعية في العمل الوطني الفلسطيني التنظيمي والسياسي والثقافي بعد تأسيسها للحالة الكفاحية الثورية والنضالية الشعبية المتقدة منذ ستة وخمسين عاما رغم ضربات متتالية مركزة من قوى اقليمية ودولية ورسمية عربية وأخرى داخلية لإجهاضها ، جميعها كانت مسيرة بريموت كونترول منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري إسرائيل , وما كان لها أن تتصدى وتواجه وتستمر إلا بسبب قدرة مناضليها -من رأس الهرم حتى القاعدة -على منع الترهل ، ورفضهم الخضوع لمشيئة الأوزان الزائدة المسمنة بشحوم الايدولوجيا المستوردة التي كادت تسبب انسدادا في شرايين جسد وقلب الحركة لولا يقظة مناضليها ألأوفياء .
عند كل منعطف كانت فتح اقدر على استعادة مسارات اتصالها وتواصلها مع جماهير الثورة وشعب الدولة , واستطاعت بالتضحيات وتقديم مصلحة الوطن على مصالحها الخاصة حماية المشروع الوطني والقرار الفلسطيني المستقل الذي كان ومازال حتى اللحظة محط إطماع المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ففتح تعتبر الانتماء والولاء لفلسطين الأرض والشعب والقسم والعهد على تحريرهما مفتاحا لكل وطني ينوي التحرر من ال( انأ ) واعتناق ال( نحن ) من اجل فلسطين .. فحركة التحرر الوطنية الفلسطينية لا تحسب الفشل والنجاح أو الربح والخسارة بمعيار ما يتحقق من مصالح ومكاسب لأعضاء تنظيمها ، وإنما بمعيار الانجازات والمكاسب العائدة للشعب وقضايا الوطن، فحرية وتقدم وتطور بنية مؤسسات الدولة أولا , والتأكد من انسجام أنظمتها وقوانينها شريعة ومواثيق حقوق الإنسان وتطبيقات منهج الديمقراطية ، ومقدار الإرادة في إعلاء المصالح الوطنية الفلسطينية. ومدى التقدم بالمشروع الوطني, هي المعايير التي على أساسها تحسب مكاسب فتح وتحدد مصالحها.
ماكان لحركة فتح أن تنطلق وتسود لولا اتخاذها الشعب الفلسطيني بكل لوان طيفه السياسي شبكة أمان موثوقة مئة من المئة ،فالحركة رغم إخضاع أدواتها وأساليبها للظروف الموضوعية الناظمة للكفاح الوطني والمواجهة والصراع مع المشروع ألاحتلالي الاستيطاني الإسرائيلي العنصري إلا أنها بقيت مبعث أمل للمناضل الفلسطيني والعربي على حد سواء ، فكرست العروبة وجسدت مبدأ المصير العربي المشترك, وأعلت القيم والأفكار الانسانية النبيلة، وأثبتت للعالم أنها حركة الشعب الفلسطيني ,حركة وطنية سيادية،تستوحي قرارها من نبض الشعب وتطلعاته وطموحاته ، ولم تكن يوما تنظيما أو فصيلا أو حزبا ايدولوجيا ضيقا أو تابعا , فالمناضلون في حركة لم ولن يسمحوا لقوة في هذا العالم من اخذ قضية الشعب الفلسطيني كورقة مقامرة أو مساومة على طاولة الصراعات والنفوذ مهما علا شأنها ، ومهما اشتد نفوذها .
m.a