هل ستخذلنا فتح ؟!
نشر بتاريخ: 2021-03-08 الساعة: 15:12
جميل عبد النبي
أراقب كغيري من الفلسطينيين الحالمين بتغيّر الحال ما يحدث داخل حركة فتح، ولعلكم تلاحظون أننا لا نعرف كثيراً ما يحدث داخل الفصائل الأخرى، ربما لأننا أصلاً لا نتابع، وربما أيضاً لحجم التكتيم الذي يمارسه الآخرون على تناقضاتهم الداخلية، لكن أياً ما يكن فإن كون فتح في بؤرة اهتمام كل الفلسطينيين، فإن هذا يعني ببساطة أن نظرتنا لفتح لا تشبه نظرتنا للآخرين، لأنها- أيضاً ببساطة- هي الركيزة الأساسية في مشروعنا الوطني، فقد تسير القافلة دون بعض المكونات الأخرى، لكن دون فتح لا يمكن للواقع السياسي الفلسطيني أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام.
هذا يؤكد ما يردده البعض، وأوافق عليه شخصياً، بأن تعثر فتح يعني تعثر الموضوع الفلسطيني، ونهضة فتح تعني نهضة حركة التحرر الفلسطيني.
قد لا أستطيع تبرير هذا الربط الذي يبدو في حالتنا الفلسطينية كقدر محتوم لفتح، أو قد لا تقنع تفسيراتي غير الموافقين على هذا الربط، لكن المسألة ببساطة هكذا، على الأقل في الوقت الراهن، فلا نهوض للموضوع الفلسطيني بلا فتح، لكن، ترى: هل يعرف الفتحاويون قدرهم هذا؟ أو بالأصح: أولئك الذين يتناهشونها من داخلها، هل يعرفون أنهم بعبثهم هذا يعبثون بكل ما هو فلسطيني؟ وأن تبعات صراعهم نتحملها نحن الفلسطينيين؟
لم أحاول ولا مرة واحدة إبداء رأيي في أي خلاف فتحاوي داخلي، ولا في أي خلاف داخلي لأي فصيل آخر، لأن هناك ما هو أهم بالنسبة لي، ولأنني غير مطلع بما يكفي على دوافع تلك التجاذبات، كما لأني أعرف أن أشياء كهذه يمكنها أن تحدث داخل أي تجمع، خاصة إن كان هذا التجمع غير ديمقراطي، ونحن والحمد لله كلنا غير ديمقراطيين، بل لعل فتح أقربنا إلى الديمقراطية، رغم أنها ليست ديمقراطية بما يكفي بعد، وفي التجمعات غير الديمقراطية تؤدي التباينات- البسيطة أحياناً- إلى تشققات، وأنا أعرف أن هذا يحدث، بل وحدث فعلاً، داخل كل الفصائل، لكن الفصائل الأكثر تكتماً، بل وتسلطاً ينسحب منها المخالفون بهدوء، بعد أن آثروا عدم الحديث علناً عن اختلافاتهم الداخلية، ربما لأن أي حديث علني داخل أي فصيل غير فتح ستكون له عواقب سريعة، وربما عنيفة وحاسمة لإنهاء أي مظهر علني للتناقضات.
في فتح المسألة مختلفة، منذ عرفناها فهي تتحاور علناً، تختلف علناً، تتشاتم علناً، تتناقض علناً، معظم أزماتها تخرج للعلن، ولا تجد فتح في ذلك حرجاً، ولعل عليّ أن أعترف أن هذا من وجهة نظري أجمل ما فيها، وهذا ما يزيد من قناعتي بأن قابليتها للتحول الديمقراطي الحقيقي تفوق غيرها بمراحل.
ما المختلف هذه المرة؟
المختلف أننا أمام انتخابات، وأن المخالفين يهددون بانشقاقات، وبمنافسة فتح في الانتخابات.
حتى هذه لو كنا في وضع ديمقراطي طبيعي فهي أحداث طبيعية، لكننا أمام صراع حقيقي مع جهات لا ننفي عنها فلسطينيتها، ووطنيتها طبعاً، لكننا لا نثق بعقلانيتها، وواقعيتها، وقدرتها على احتواء تنوعنا، أو بوعيها بتعقيدات قضيتنا الفلسطينية، مما قد يدخلنا معها في مغامرات خطرة، كتلك التي خبرناها طوال الخمس عشرة سنة الماضية، ولا بوعيها بفاعلية الأدوات التي نحتاجها في صراعنا، ما يعني أن خطراً ما قد يلحق بنا جميعاً فيما لو استثمرت تناقضات فتح لصالحها، بل إن بوادر هذا الاستثمار باتت واضحة من الآن، فهل ستفعل بنا فتح ما لا ننتظره منها؟
نراقب عن كثب كل ما يقوله المتناقضون، وبصراحة لا شيء سياسيا جديدا لدى أحد، والمسألة لا تعدو كونها صراعاً على السلطة، أياً كان الثمن الذي سندفعه كشعب، وستتحمله القضية الفلسطينية، وهذه مغامرة خطرة، إن أصر عليها بعض الباحثين عن السلطة، فإن مهمتنا كشعب ألا نعطيهم هذه الفرصة.
للعابثين بفتح:
عودوا إلى رشدكم، واعرفوا حجم العبء الذي تحمله فتح، ومركزية موقعها من حركة النضال الفلسطيني، فلا تكونوا صغاراً وأنتم تمثلون قضية كبيرة، ولا تجعلوا من غاياتكم الخاصة أهدافاً يمكن لأهدافنا الوطنية أن تتحطم بسببها.
انتهى الكلام.
mat