حمصة الفوقا .. وجارتنا أوروبا الحضارية
نشر بتاريخ: 2021-02-28 الساعة: 19:56
موفق مطر
ثماني مرات وربما ستصل إلى ثمانين وأكثر حيث تتجسد كل بضعة أيام سادية قادة منظومة الاحتلال السياسيين والعسكريين ورغباتهم في ارتكاب الجريمة ضد الإنسانية، فقرية حمصة الفوقا في الأغوار الشمالية اليوم تستمد روح الصمود والإرادة في التجذر الطبيعي والتاريخي من شقيقتها العراقيب في النقب، حيث هدمتها جرافات الغزاة أكثر من مئة وثمانين مرة.
لا يمر يوم على فلسطين (مركز العالم) إلا ويكون صبحه داميا، فقد يكون الضحية إنسانا فلسطينيا من دم ولحم كأي إنسان في هذا العالم، وقد تكون الضحية بقعة أرض في قرية أو قد يكون بيت مواطن فلسطيني، فهنا على هذه الأرض المقدسة يمارس ضباط وجنود (جيش لصوص الأرض) الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو ساديتهم، وينفذون جرائمهم ضد الإنسانية علنا وعلى الهواء مباشرة.
ليس منافيا للأخلاق والقيم الإنسانية والمواثيق الأممية فحسب، بل هو خرق فاضح للقوانين والأعراف الدولية يكاد يصل إلى حد الشراكة في الجريمة عندما يقيد المجتمع الدولي إرادته ويعطلها ويضع عصبة سوداء قاتمة على بصره عندما يتعلق الأمر بجرائم حكومة منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها ومليشياتها الإرهابية (المستوطنين)، بينما نرى الأقوياء من هذا المجتمع يسلطون مناظيرهم المكبرة، ويسارعون لإصدار مواقف وقرارات بفرض عقوبات على حكومات أو أشخاص نافذين فيها ويتنافسون في دعوة مجلس الأمن للانعقاد فورا واستصدار قرارات رادعة عندما يتعلق الأمر بشخص بالنسبة لهم (VIP) رغم قناعتنا بأن الجريمة لا تصنف حسب العرق أو الجنس أو اللون، فنصوص القوانين الدولية خلت تماما من أي بند يمنح أحدا في العالم صلاحية انتهاك حق إنسان في الحياة في هذا العالم.
لا نقلل من أهمية زيارات سفراء قناصل الدول الأجنبية المعتمدين في فلسطين لقرية حمصة الفوقا المهدمة مرات ومرات ولمسهم على عين المكان آثار جرائم المحتلين والمستوطنين الإرهابية، ولا نغفل تأثير ضغوط بلادهم على حكومة منظومة الاحتلال في قضايا معينة، لكننا نتطلع لرؤية الدول التي يمثلها السفراء والقناصل في مواقف موحدة وقرارات تنتصر لمبادئ وقوانين حقوق الإنسان التي على أساسها منحوا أنفسهم حق الرقابة على تطبيقها في دول العالم ومحاسبة منتهكيها والتي قد تتعلق باغتيالات واعتقالات على خلفية الرأي والتعبير والانتماء السياسي، مع أن الأفعال التي ترتكبها منظومة الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب لا لبس فيها ولا تحتاج إلى عباقرة في القانون الدولي لاعتبارها كذلك جرائم ضد الإنسانية.
لا نريد للعالم عموما وخصوصا أوروبا جارتنا في الجغرافيا والحضارة أن ينطبق عليها ما أنشده الشاعر السوري أديب اسحاق:
"قتل امرئ فى غابة جريمة لا تغتفر … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر"
لأن أوروبا لن تسلم من نتائج إغفال جرائم منظومة الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني، فنحن نرى شروخا في بنية الدولة الأوروبية الديمقراطية المرفوعة على قواعد وأساسات القوانين الدولية التي نظمتها وأرادتها نموذجا يحتذى، ونرى مصلحة صهيونية واضحة في تعميق وتوسيع هده الشروخ كإرهاصات لانهيار لا يعلم متنبئ حجمه.. فنحن لا نفكر بأنفسنا فقط، وإنما نفكر وترى الأمور بعقلية الإنسان المرتبط مستقبله مع عالمه الحضاري القريب والبعيد، وليس بعقلية المتمرد على القيم والقوانين والنظام الحضاري للأمم.
حمصة الفوقا في الأغوار الشمالية الفلسطينية ليست أقل مكانة وأهمية من أي مكان في فلسطين التاريخية والطبيعية فهي شقيقة الخان الأحمر البوابة الشرقية للقدس عاصمة فلسطين الأبدية ومدينة الله الروحية لكل المؤمنين في العالم.
ستبقى حمصة الفوقا كالنجم ليس بمقدور منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري السيطرة عليها، فشعب فلسطين الذي قرر رفع قدسية ومكانة أرض وطنه إلى أعلى نقطة في الكون لن يسمح لشياطين الإنس المحتلين والمستوطنين من اغتصابها فقد ولى زمن كانت فيه أرض بلادنا مشاعا للغزاة والمحتلين والمستوطنين المجرمين.
هنا باقون حال لسان حمصة الفوقا ككل بقعة من أرض بالنسبة للوطني الفلسطيني فوق مدار روحه وأعلى من أي مدار يظن المستكبرون أن بقدرتهم النفاذ إليه بأسلحتهم.
mat