عن إسرائيل والانتخابات الفلسطينية
نشر بتاريخ: 2021-02-25 الساعة: 11:43عبد المجيد سويلم
هل يوجد لإسرائيل «قائمة» في الانتخابات الفلسطينية؟
قد يبدو هذا السؤال مستغرباً، أو خارج السياق المألوف وقد يجده البعض استفزازياً، في حين أن الواقع يقول، إن إمكانية من هذا القبيل هي إمكانية حقيقية.
هذه «القائمة» ليست الخطة «أ» في التخطيط الإسرائيلي للانتخابات الفلسطينية، وربما أنها ليست الخطة «ب» في هذا التخطيط، لكنها بكل تأكيد موجودة في أدراج إسرائيل، وسيتم وضعها على الطاولة إذا ما ارتأت أنها أصبحت ممكنة أو ضرورية. والسبب في أن إسرائيل ترى هذا الخيار مؤجلاً وكخطة بديلة، هو أنها (أي إسرائيل) تنتظر الحراك الانتخابي كما ينتظره الجميع، ولا يمكن أن تحرق أوراقها قبل اتضاح الصورة، وقبل أن ينقشع الضباب عن الخارطة كلها.
الأسباب الأكثر جوهرية في تأجيل هذا الخيار هي لأن إسرائيل لا تريد هذه الانتخابات أن تجري أصلاً، وهي ستعمل كل ما في وسعها لإفشالها إن تمكنت أو لتشويهها بحيث تكون صورتها مشوشة، أو محاولة التأثير المباشرة وغير المباشرة في مخرجاتها. ولماذا ستكون إسرائيل مع الانتخابات طالما أن هذه الانتخابات تحمل إمكانيات تغيير الواقع، وطالما أن هذا الواقع يشكل مصلحة إسرائيلية صرفة كما هو عليه الآن.
فماذا تريد إسرائيل افضل من أن يكون الوضع الفلسطيني منقسماً على نفسه، ومشتت التمثيل والولاء، ومبعثر الجهود، وتتنازع أطرافه المختلفة الصراع على نفوذ شكلي، وعلى سلطات مجردة في الواقع من أي سلطة حقيقية؟
وأين هي مصلحة إسرائيل في أن تبدو الحالة الفلسطينية متماسكة وطنياً، وموحدة في مواجهتها، وان تكون صورة الشعب الفلسطيني صورة حضارية وديمقراطية وتعددية بدلا من صورة المجتمع «المتخلف» المحكوم من مراكز نفوذ «استبدادية» تنتج «الإرهاب» وصناعة الكراهية.. وهي الصورة التي تحاول إسرائيل أن تسوقها عن الشعب الفلسطيني للعالم قاطبة، وتعد لها الخطط والبرامج، وترصد لها الموازنات والموارد، وتوظف من اجل تكريسها وترسيخها في العالم كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لها.
وأين تكمن مصلحة إسرائيل في تجديد الشرعيات الفلسطينية، وفي إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس وطنية راسخة وبمضمون ديمقراطي تحرري؟
ولهذا فإن الخطة الأولى، أو الخطة «أ» لإسرائيل هي منع الانتخابات بأي شكل، إذا كانت لهذا المنع تبعات تستطيع إسرائيل تحملها.
ليس مؤكداً أبداً أن إسرائيل مستعدة للمغامرة بمواجهة دولية وإقليمية إذا ما أقدمت على منع الانتخابات بالقوة، كما انه ليس مستبعداً أبداً أن الإدارة الأميركية نفسها ستمنع إسرائيل من الذهاب إلى خيار المنع المباشر للانتخابات.
أما الخيار «ب» فهو خيار التشويه، والتعطيلات التي ستشوش على صورة هذه الانتخابات، وخاصةً في القدس، خصوصاً أن المعركة الانتخابية الاسرائيلية قد بدأت وهي ستشتد أكثر في الأسابيع القادمة، ومن المتوقع أن تكون المزاودات الانتخابية حولها في ذروة القضايا للاستثمار الانتخابي من قبل معظم المكونات الحزبية الصهيونية.
الخطة «ج» أو البديلة إذا فشلت الخطة «أ» و»ب»، هي التأثير على مخرجات هذه الانتخابات.
المقصود هنا ليس الإعلان عن قائمة بالمعنى المحدد، وليس المقصود طبعا أن ينبري (منسق شؤون المناطق) للدعاية لها وتعداد مناقب القائمين عليها، وليس المقصود أن يتم حشد بعض الوجوه المحروقة ووضعهم في إطار قائمة موحدة، وإنما المقصود قائمة أو قوائم أو أشخاص في إطار قوائم سيعملون بكل ما في وسعهم من اجل نزع الطابع الوطني والسياسي الملتزم عن هذه الانتخابات، ونزع الطابع الديمقراطي أيضاً.
العنوان الأول لمفهوم هذه «القائمة» هو التجميع والتكتيل العشائري والحمائلي الرجعي المحافظ سياسياً وثقافياً، والذي يُؤْثِر الصراع مع القوى الوطنية والديمقراطية على الصراع مع إسرائيل وأدواتها وسياساتها.
يغلق هذا التجميع والتكتيل دعايته بعجز السلطة السياسية في الضفة وغزة عن تلبية الحياة الكريمة للمواطنين، وبالتالي، سيحاول التخفي وراء صعوبة الأوضاع الاقتصادية، كما سيخفي دوره السياسي والاجتماعي وراء الدعاية بالعجز الفلسطيني الرسمي والوطني الشعبي بخلق نموذج دولة القانون، لكي ينفذ من خلال ذلك إلى دور القوى المحافظة من عشائر وحمائل والملفوفة بالعباءات السلفية بالتأثير السياسي وتشكيل كتلة مانعة للتوافق الوطني، والتنمية الوطنية والتطور الديمقراطي، وخصوصا لجهة تشريعات مفصلية في مجال المرأة والأحوال الشخصية وحقوق الفئات الضعيفة وغيرها من مظاهر الحداثة في قضايا التعليم والعمل والصحة وغيرها.
وستعمل هذه التجميعات على الاستثمار في مجال بعض مظاهر السخط الشعبي على الأداء الفلسطيني (وهي مظاهر ليست مفتعلة، ولها أساسها القائم في الواقع) بهدف بث روح اليأس والانهزامية، وإشاعة الإحباط للوصول إلى المزيد من الانفكاك بين القوى الوطنية من جهة وبين القاعدة الاجتماعية لهذه القوى.
أليس ما تقوم به إسرائيل من محاولات شق وحدة الصف الوطني في الداخل الفلسطيني نموذجاً واضحاً على ذلك؟
ألم تقتل إسرائيل أو تحاول قتل رؤساء البلديات الفلسطينية الذين نجحوا رغم أنفها في العام 1976؟
ألم تُنشئ إسرائيل وبصورة علنية ورسمية «روابط القرى» بهدف تسويق المشروع الإسرائيلي السياسي لحكم الفلسطينيين في الأرض المحتلة.
باختصار، يوجد أساس اقتصادي واجتماعي وثقافي للاستثمار السياسي الإسرائيلي في الانتخابات الفلسطينية، كما يوجد ـ وإن بصورة أقل أهمية وتأثيراً ـ مثل هذا الأمر من قبل بعض المركّبات الإقليمية والدولية أيضاً.
ومهما بدت الصورة غامضة بعض الشيء، الآن، قليلاً أو كثيراً، فإن الميدان متاح للقوى الوطنية ومتاح بقدرٍ ما للقوى المعادية للوطنية الفلسطينية.