إذا كانت أوروبا مقتنعة بحل الدولتين عليها الاعتراف بفلسطين
نشر بتاريخ: 2021-02-21 الساعة: 09:16بقلم: داود كُتَّاب*
مع اتضاح معالم سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخارجية يبدو أن التشكيك بالالتزام بحل الصراع العربي ــ الاسرائيلي سيزداد. وتطرح تلك الشكوك السؤال الضروري التالي: من سيملأ الفراغ الدبلوماسي الذي ستتركه الولايات المتحدة؟
للتأكيد، فإن بايدن تحرك بسرعة لتصحيح السياسات الفظيعة لسلفه، فخلال أسبوع من تنصيبه اعلنت ادارته نيتها اعادة العلاقات الامريكية مع القيادة الفلسطينية والدعم للاجئين الفلسطينيين، كما تعهدت بالالتزام بحل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.
هذه الالتزامات ظلت فاترة وحتى ان بايدن تردد من الاتصال برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو ما لا يعكس مستوى الاهتمام او الاخلاص الضروريين للدفع نحو تحقيق سلام دائم على أساس حل الدولتين.
الوضع الأوروبي يختلف حيث القرب الجغرافي للشرق الاوسط، وهو إقليم في حالة تقلب وعدم استقرار. لذلك جرى تقارب خلال مؤتمر ميونيخ الامني بين وزيري خارجية المانيا وفرنسا مع نظيريهما المصري والأردني بهدف البدء بحوار مع الفلسطينيين. مجموعة ميونيخ هذه تعمل الآن مع الفلسطينيين على استئناف محادثات السلام.
مشاركة مصر في مجموعة ميونيخ تعكس قيادتها لتحرك سلمي فلسطيني اسرائيلي، فقد شهدت العاصمة المصرية هذا الشهر اجتماعا طارئا لوزراء الخارجية العرب لمناقشة التطورات الاقليمية وما هو المتوقع من إدارة بايدن. المشاركون أكدوا ان القضية الفلسطينية ستبقى مركز اهتمام جميع المشاركين في القاهرة ومجموعة ميونيخ فيما يتعلق بالتحرك السلمي الاسرائيلي الفلسطيني. كما استضافت القاهرة في نفس الاسبوع جلسات الحوار الفلسطيني والتي تهدف الى وضع الأسس لعملية انتخابات تشريعية ورئاسية طال انتظارها والتي تهدف الى انهاء سيطرة حماس على قطاع غزة.
ورغم أهمية الجهد الاقليمي الا ان دور قيادات عالمية مثل فرنسا وألمانيا أساسي في تقوية الموقف التفاوضي الفلسطيني والضغط على اسرائيل باتجاه التوصل الى اتفاق سلام عادل. وإذا أرادت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام اظهار موقف قيادي فعليهم الاعتراف بدون تردد بدولة فلسطين.
لقد صوت البرلمان الأوروبي عام 2015 بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بفلسطين وقد اقرت برلمانات الدول الاوروبية بشكل مستقل الامر نفسه. ولكن تلك القرارات غير ملزمة ورغم أن عددا من أعضاء الاتحاد الأوروبي من بين الدول الـ 140 التي اعترفت بفلسطين إلا أن غالبية الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا وفرنسا لا تزال ترفض التقدم خطوة والاعتراف بدولة فلسطين.
تقول المستشارة الالمانية انجيلا ميركل إن مثل هذه الخطوة أحادية الجانب ستنسف التقدم نحو حل تفاوضي مبني على أساس مشروع الدولتين. وكذلك قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إن "قرارا أحادي الجانب بالاعتراف بفلسطين" لن يكون ذا فائدة مضيفاً انه سيعترف بدولة فلسطين فقط عندما يعتقد أن تلك الخطوة "مفيدة لبناء سلام على الأرض."
بعد أربع سنوات من الهجوم على حل الدولتين من قبل ادارة ترامب و"رؤيتها للسلام" والتي تشمل ضم ثلث مناطق الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل فإنه من الصعب أن نقبل تلك الحجج بصورة جادة. في الحقيقة فإن التطورات الاخيرة أضعفت التأييد لحل الدولتين حيث يعارض 58% من الفلسطينيين هذا الاقتراح وبدلا من ذلك فهناك زيادة في المطالبة بحقوق متساوية في دولة واحدة.
ومع انخفاض عدد اليهود الإسرائيليين القاطنين في المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط مقارنة مع الفلسطينيين العرب فإن حل "الدولة الواحدة" سيصبح هدفا عملياً أكثر للفلسطينيين. لكن معظم الإسرائيليين لن يقبلوا هذا التوجه كما أن استمرار رفض اسرائيل قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ليس ممكناً.
سيتوجه الاسرائيليون لصناديق الانتخابات الشهر القادم ولكن لا يوجد اي دليل ان اي حكومة اسرائيلية ستتشكل بعد الانتخابات ستبدي اي اهتمام بالعودة لمفاوضات سلام. فكل الساعين لمنصب رئيس الوزراء يرفضون اقامة دولة فلسطينية. وإذا استمر ماكرون وميركل في انتظار التزام الطرفين بدولة فلسطينية فان انتظارهما سيتجاوز وجودهما في مواقعهما السياسية. كما لن تستطيع اوروبا تبرير مواقفها فقط من خلال الدعم المالي للفلسطينيين. اسرائيل لا تتردد في تدمير ما تحاول المساعدات بناءه. ففي شهر تشرين الثاني الماضي قامت القوات الإسرائيلية بتدمير أكثر من 70 منشأة فلسطينية في الضفة الغربية. هذا الأمر يشكل أكبر عملية إجبار الفلسطينيين على تغيير مساكنهم في الأراضي المحتلة منذ أربع سنوات.
الاعمال الاسرائيلية لم ينتج عنها أكثر من رد لفظي من أوروبا.
إذا أرادت اورونا فعلا ان تسير في اتجاه السلام عليها أن تبدي جرأة وقناعة. هذا يعني أن عليها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود ما قبل حزيران 1967 وبذلك تساعد في تغيير ميزان القوى في المفاوضات وتضع إطارا للسلام. اسرائيل قد تحتج ولكن كما شاهدنا فيما يخص السويد فإن العلاقات البينية لن تتأثر على المدى البعيد عندما تعترف الدول بفلسطين. وحتى لو تأثرت فإن ذلك سبب ضعيف لتدمير آمال سلام حقيقي ودائم لجيران أوروبا الأكثر قربا.
* أستاذ في الصحافة سابقا في جامعة برنستون.
mat