قراءة في انتخاب كريم خان مدعياً عاماً للمحكمة الجنائية الدولية
نشر بتاريخ: 2021-02-16 الساعة: 09:13بقلم: المحامي علي أبوهلال
انتخبت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، يوم الجمعة الماضي الثاني عشر من شهر شباط الجاري، المحامي البريطاني كريم خان مدعيا عاما جديدا للمحكمة لمدة 9 سنوات تبدأ من 26 حزيران المقبل، وجاء انتخاب المحامي البالغ من العمر 50 عاما خلال عملية تصويت جرت بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ليخلف المدعية الحالية فاتو بنسودا التي تشغل المنصب منذ عام 2012.
وتنافس على المنصب 4 مرشحين هم البريطاني كريم خان الذي حصل على 72 صوتًا من إجمالي 123، والمحامي الإيرلندي فيرغال غاينور 42 صوتًا، والقاضي الإسباني كارلوس كاستريسانا 5 أصوات، والمحامي الإيطالي فرانشيسكو لو فوي 3 أصوات.
وجرت الانتخابات على مرحلتين، حيث لم يحصل أي من المرشحين الأربعة في الجولة الأولى على الأغلبية المطلقة للفوز بالمنصب والتي تتطلب الحصول على 63 صوتًا من إجمالي الأصوات الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية (123 دولة).
المحامي كريم خان، يتمتع بخبرات قانونية واسعة وهو ليس غريبًا على الأمم المتحدة إذ قاد فريقًا دوليا للتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها تنظيم الدولة في العراق. ويشغل حاليا منصب رئيس نقابة محامي المحكمة الجنائية الدولية، كما أنه أحد الشخصيات القانونية البارزة في المملكة المتحدة، حيث تم قبوله في نقابة المحامين بإنجلترا وويلز منذ ٢٥ عاما، كما شغل عدة مناصب داخل المملكة المتحدة، من بينها كبير مديري المدعين العموم في بريطانيا، وكذلك كان محاميا للادعاء أمام المحكمة الدولية التي عقدت حول جرائم الحرب التي ارتكبت في يوغوسلافيا، وكذلك أمام المحكمة الدولية التي عقدت لمحاكمة المتورطين في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في رواندا.
ويعد خان المحامي الرئيسي لأكبر مجموعة أحزاب مدنية فى بريطانيا «فيكتيمز» خلال المحاكمة الأولى أمام الدوائر الاستثنائية في محاكم كمبوديا. كما أنه عمل كمحام دولي لعدة شخصيات ومؤسسات دولية، من بينها «فيليكس أجبور بالا» حيث ترافع عنه أمام المحكمة العسكرية التي عقدت في الكاميرون لمحاكمته.
ترافع أيضا خان عن ضحايا كينيا، والذين تعرضوا للانتهاكات خلال حقبة الاستعمار البريطاني، بالإضافة كذلك إلى ترافعه عن عدد كبير من ضحايا الانتهاكات الإنسانية في العديد من دول العالم، من بينها سيراليون، وميانمار، كان من أكبر الدعاة لاتخاذ إجراءات عقابية ضد قوات الأمن الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة بحق مجتمع الروهينجا، يحظى خان كذلك بخبرات كبيرة في مجال التحكيم الدولي، حيث ينخرط حاليا في عدد من القضايا من هذا القبيل في ماليزيا.
قام خان بالترافع عن المتهمين في قضايا تتعلق بارتكابهم جرائم حرب في يوغوسلافيا أمام المحكمة الدولية الخاصة التي شكلتها الأمم المتحدة في هذا الإطار، وكذلك اللجنة الخاصة للنظر في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في تيمور الشرقية، والمحاكم التي تم تأسيسها للنظر في الجرائم التي ارتكبت في كوسوفو، كما أنه ترافع أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية. وترافع خان أمام المحكمة الجنائية الدولية عن عدد من الشخصيات الدولية البارزة، من بينهم نائب رئيس الكونغو السابق جان بييرا بيمبا، وكذلك عن ثلاثة من قادة قبائل دارفور في السودان، وهم أبوجاردا وجيربو وباندا، كما أنه يترافع حاليا عن نجل العقيد الليبي معمر القذافي سيف الإسلام. وكريم خان هو المدير المؤسس لمبادرة السلام والعدل، والتي تهدف في الأساس إلى تشجيع محاكمة أولئك الأشخاص الذين يتورطون في ارتكاب انتهاكات أو جرائم دولية.
المحامي خان ذو خبرة قانونية مؤهل ليشغل موقعه الجديد كمدعي عام للمحكمة الجنائية الدولية، وفقا لما تنص عليه الفقرة 3 من المادة (42) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تنص على " يكون المدعي العام ونوابه ذوي أخلاق رفيعة وكفاءة عالية، ويجب أن تتوافر لديهم خبرة عملية واسعة في مجال الادعاء أو المحاكمة في القضايا الجنائية، ويكونون ذوي معرفة ممتازة وطلاقة في لغة واحدة على الأقل من لغات العمل في المحكمة. ويمارس مسؤولياته طبقا للفقرة 1 من نفس المادة ذاتها والتي تنص على "يعمل مكتب المدعي العام بصفة مستقلة بوصفه جهازاً منفصلاً من أجهزة المحكمة، ويكون المكتب مسئولاً عن تلقي الإحالات وأية معلومات موثقة عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك لدراستها ولغرض الاضطلاع بمهام التحقيق والمقاضاة أمام المحكمة، ولا يجوز لأي عضو من أعضاء المكتب أن يلتمس أية تعليمات من أي مصدر خارجي ولا يجوز له أن يعمل بموجب أي من هذه التعليمات".
وتنص الفقرة (2) من ذات المادة أيضاً على "يتولى المدعي العام رئاسة المكتب، ويتمتع المدعي العام بالسلطة الكاملة في تنظيم وإدارة المكتب بما في ذلك بالنسبة لموظفي المكتب ومرافقه وموارده الأخرى، ويقوم بمساعدة المدعي العام نائب مدع عام واحد أو أكثر يناط بهم الاضطلاع بأية أعمال يكون مطلوباً من المدعي العام الاضطلاع بها بموجب هذا النظام الأساسي، ويكون المدعي العام ونواب المدعي العام من جنسيات مختلفة، ويضطلعون بوظائفهم على أساس التفرغ ".
وتنص الفقرة 4 من المادة نفسها " ينتخب المدعي العام بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة لأعضاء جمعية الدول الأطراف وينتخب نواب المدعي العام بنفس الطريقة من قائمة مرشحين مقدمة من المدعي العام، ويقوم المدعي العام بتسمية ثلاثة مرشحين لكل منصب مقرر شغله من مناصب نواب المدعي العام، ويتولى المدعي العام ونوابه مناصبهم لمدة تسع سنوات مالم يتقرر لهم وقت انتخابهم مدة أقصر، ولا يجوز إعادة انتخابهم. فيما تنص الفقرة 5 على " لا يزاول المدعي العام ولا نواب المدعي العام أي نشاط يحتمل أن يتعارض مع مهام الادعاء التي يقومون بها أو ينال من الثقة في استقلالهم، ولا يزاولون أي عمل آخر ذا طابع مهني". في حين تنص الفقرة 7 على "لا يشترك المدعي العام ولا نواب المدعي العام في أي قضية يمكن أن يكون حيادهم فيها موضع شك معقول لأي سبب كان، ويجب تنحيتهم عن أي قضية وفقاً لهذه الفقرة إذا كان قد سبق لهم ضمن أمور أخرى الاشتراك بأية صفة في تلك القضية أثناء عرضها على المحكمة أو في قضية جنائية متصلة بها على الصعيد الوطني تتعلق بالشخص محل التحقيق أو المقاضاة".
يتضح من المؤهلات التي يتمتع بها المدعي العام الجديد للمحكمة الجنائية الدولية المحامي خان، أنه شخصية مؤهلة وله خبرة قانونية وقضائية وأكاديمية واسعة، كما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يوفر الضمانات القانونية، التي تجعل من النائب العام رغم صلاحياته الواسعة التي يتمتع بها وفقا للنظام، مقيدا بعدد من الضمانات والقيود التي تضمن تمتعه بالنزاهة والحيدة أثناء ممارسته لعمله ومسؤولياته في المحكمة. ورغم دعم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لترشيحه لهذا المنصب في المحكمة، إلا أن ذلك لا يشكك في نزاهته، وتمتعه بالأخلاق والسيرة الحسنة التي يتمتع بها، كما ينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية على تنحية المدعي العام إذا كان حياده موقع شك لأي سبب كان وفقا للفقرة 8 من المادة (42) نفسها. وتتمثل أولى المسؤوليات التي سيضطلع بها المدعي العام الجديد، في اتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية المتعلقة بالتحقيق في جرائم الحرب في أفغانستان، والتحقيق بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو مؤهل للقيام بهذه المسؤوليات من الناحية المهنية والشخصية، ولا يشك بنزاهته وفقا لسيرته الذاتية والمسؤوليات والمهام التي تولاها سابقا.
*محاضر جامعي في القانون الدولي.
mat