الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أنا (مُسَجِل) إذن أنا موجود

نشر بتاريخ: 2021-02-14 الساعة: 11:17

 

موفق مطر

مابين السجل المدني والسجل الانتخابي علاقة شبيهة بعلاقة التوأم حيث لابد من خروج احدهما للنور قبل الآخر بمدة زمنية قصيرة لا تزيد عن دقائق بعدد أصابع اليد الواحدة أو الاثنتين ..وقد ضربنا مثل التوأمين لما نعرفه من ارتباط وثيق وعميق بين شخصيتيهما وسلوكهما وأطبعهما وحبهما الشديد لبعضهما بمستويات أعلى بكثير من علاقة أخوين فصلتهما فترات زمنية بين مولد احدهما والآخر.  

لكل منا شهادة ميلاد تحمل اسمه واسم والدية ونسبه وتاريخ ميلاده باليوم والشهر والسنة ، تسمى (السجل المدني)  التي منذ لحظة دمغها واعتمادها في سجلات الدولة الرسمية تصير هذه الوثيقة بمثابة المستند القطعي الذي لابد منه لإثبات الوجود الشخصي للفرد ، حتى أن أي جهة رسمية محلية كانت أو دولية لا يمكنها فتح السبل أمام أي إنسان ما لم يحمل هذه الشهادة التي تنقل المعلومات المدونة فيها إلى وثائق تصدرها وزارة سيادية في الدولة مثل وزارة الداخلية أو الخارجية علاوة على البطاقة الشخصية  التي لا تغني في كثير من المعاملات عن وثيقة السجل المدني أي شهادة الميلاد ، فالسجل المدني هو الهوية الثابتة التي لا تضيع حتى لو ضاعت أو فنيت كل الوثاق المشتقة منها . 

أما الفرد في الدولة فله شهادتي ميلاد الأولى شهادة ميلاده الطبيعي منذ لحظة أطلاقه صرخة الحياة ( السجل المدني)  والأخرى ينالها بعد ثمانية عشر عاما عندما يبلغ السن القانونية المقررة في تشريعات وقوانين ودساتير الدول ليمارس حقوقه وواجباته كمواطن يسمى (السجل الانتخابي )، ذلك أن احترام قرار هذا الفرد يتطلب نضجا عقلانيا يمكنه من استحقاق ملكية القرار واثبات وعي ذاتي كشخص حر  قادر على التمييز والاختيار..والشهادة الثانية ( السجل الانتخابي )  هنا المشتقة نصا وروحا من الأولى ( السجل المدني ) تعتبر في المجتمعات الديمقراطية بمثابة  ميلاد جديد نظرا لدخول الفرد من الجنسين مرحلة المشاركة الفعلية في الحكم وتكوين وتشكيل النظام السياسي والاقتصادي  والاجتماعي والثقافي الذي يرغب بالعيش فيه ضمن أجواء السلم الأهلي والاستقرار والنمو والتطور والتقدم ، لتحقيق طموحاته  الشخصية وتلك المتصلة بقضايا مجتمعه والشعب الذي هو أعظم من مجرد رقم ، وبمصير الوطن الذي ينتمي إليه ويؤدي نشيده الرسمي أثناء رفع علمه. 

السجل الانتخابي ليس مجرد حساب تعداد المواطنين الذين يحق لهم تطبيق إحدى أركان الديمقراطية - العملية الانتخابية - كالترشح والانتخاب وحسب ، بل هو تأكيد ولادة سياسية قانونية  جديدة للمواطن  مرتبطة بمبدأ الحق والحرية المؤتمن عليهما  كراشد ،ولا سلطان عليه من احد حتى من ذوي القربى ، فمنهج الديمقراطية يقر مبدأ الالتقاء الفكري والنظري والتطبيقات العملية ( البرامج السياسية ) بخلاف مبدأ العائلة المرتبط بعلاقة الدم والرحم والأبوة والإخوة  وغيرها من مكونات الأسرة لذا ليس مستغربا رؤية  أفراد من عائلة واحدة ينشطون ضمن هياكل تنظيمية لقوى سياسية متعددة، يتنافسون  في إبداء أكبر قدر من الالتزام كل بفكر ونظرية وبرنامج وتعميم القوة السياسية التي ينتمي إليها لإيمانه الراسخ أن الفكر السياسي الذي يجمعه مع آخرين هو الأجدر بالفوز وتحقيق أهداف وطنية ضمن الدورة الانتخابية المقررة ، وهنا لا مجال للعلاقة الأسرية العائلية إلا للمحبة وقيم الأسرة وروابطها المقدسة ، التي كلما كانت متينة  انعكست إيجابا على الحياة السياسية في البلد ، وبات التنافس  المشروع بروح رياضية هو السائد في جملة مسارات العملية الديمقراطية . 

شهادة الميلاد ( السجل المدني ) أو ما يسمى في بلادنا شهادة الأحوال الشخصية وثيقة مرور لأي مسار في الحياة كالتعلم بكل المراحل ونيل العناية والخدمات الصحية والتنقل ..الخ .. أما شهادة السجل المدني فإنها وثيقة عبور شرعية قانونية لكل وطني غيور معني في المشاركة عمليا في صنع القرار السياسي في وطنه ، واخذ دوره الطبيعي في رفع أركان دولة مدنية تعددية ديمقراطية تحررية تقدمية يطمح لرؤية نفسه فيها فردا مهما ومؤثرا ويتخيل نفسه حجر الزاوية في بناء المجتمع والدولة.  

شهادة السجل الانتخابي هي شهادة ميلاد موازية  ينتظرها المواطن المدرك جيدا لحقوقه وواجباته سنة بعد سنة ولحظة بعد لحظة ، فيذهب لنيلها عند أول فرصة ، ذلك لإدراكه العميق لمعنى الانتخابات  ومعنى مصير البلاد اثر كل دورة انتخابية ، وهنا يتجلى صدق الانتماء والإخلاص والالتزام بأحسن الصور .. فالوطن موجود ، يحميه الوعي  الفردي والجمعي  لإدامة هذا الوجود وحمايته ، وعند أداء هذا الواجب بالذات تسقط كل المبررات للتغيب أو  التقهقر أو التقاعس أو الإغفال ، وعليه سنقول :" أنا مسجل إذن أنا موجود " . 

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024