فليكن التدوير الوظيفي..أداة للتغيير مهند أبو شمّة
نشر بتاريخ: 2021-01-25 الساعة: 09:42
يعتقد كثيرون من شاغلي المناصب الوظيفية في الدولة أنهم مخلدون في مواقعهم، وأن مناصبهم لن تزول-وكأن العمر لا يتقدم بهم-، كما يظنّون أن مواقعهم حكر عليهم دون غيرهم، أو أن المؤسسة أصبحت حكراً عليهم وموروثاً لهم، وقد آن الأوان لهذه المعتقدات أن تتبدد، ويقع على كاهل الحكومة العبء الأكبر من إرساء منظومة عمل وآليات تدخل، فتغيير القناعات الراسخة لدى الكثيرين لن يتأتى دون عمل مدروس وتدخل مباشر من الحكومة، إذ ثمّة حاجة لتدخلها المباشر في ذلك.
بتقييم موضوعي يمكن القول إنْ ليس هناك من ينكر أهمية قرارات الحكومة في الفترة الأخيرة والقاضية بتنفيذ حزمة تغييرات وإصلاحات في واقع العمل المؤسسي، وفق رؤية عنوانها الأبرز"حوكمة القطاع العام"، إذ قوبلت خطوات الحكومة بارتياح كبير في أوساط الجمهور الفلسطيني، وحتى لا يبقى الحديث في نطاق العموميات، أسوق مثالا واقعيا وهو ما اتخذته الحكومة من قرارات جريئة بخصوص الهيئات غير الوزارية، بالدمج أو الإلغاء، والحوكمة، وهو ما يفتح المجال للتساؤل عن كيفية التعامل مع الفائض من الموظفين في هذه الهيئات؟ وهنا تأتي الإجابة، بأن التدوير المدروس للإفادة من الفائض يشكل عنصر قوة للقرارات المتخذة، ومن شأن إجراء كهذا التأسيس لثقافة جديدة في العمل المؤسسي بأن يكون التدوير نهج حكومة ومؤسسات، وألا يقتصر التدوير على بعض فئات الموظفين دون غيرها، أو أنه نتاج حالة آنية استدعت ذلك، فوجود سياسات إدارية حكومية مدروسة من هذا القبيل ستساهم أيضاً في تعزيز قوة البناء المؤسسي، وستحدّ من التفرد الطاغي على سلوك بعض القيادات الإدارية في مؤسساتنا، سواء بالتخبط أو الارتجالية في اتخاذ القرارات، أو ممارسة التنمر الوظيفي بالاستبداد والاستبعاد والاستعباد، إذ إن منهم من نصّب نفسه في موقعه الوظيفي وكأن المؤسسة موروث شخصي، وأن استمرار وجوده فيها حتميٌ ومكانته محمية .
فالتدوير إذن؛ سياسة تتطلب أن تنتهجها المؤسسات للنهوض بواقعها ضمن معايير واضحة وعادلة، ويحكمها جدول زمني، وهي ثقافة تنظيمية يدرك الكل من خلالها أنْ لا ديمومة ولا خلود للموقع الوظيفي، وعلى الكل أن يكون مستعداً مهنياً ونفسياً لمغادرة موقعه الوظيفي الذي لن يستمر طويلاً، ولتكن ثقافة التدوير الأفقي والصاعد والهابط سياسة سائدة في ذات المؤسسة وبين المؤسسات، لتساهم في رفع كفاءة وفاعلية الموارد البشرية في الدولة، مع التسليم بأن التدوير يكون مجدياً حين يطال الفئات التي تتربع على عرش اتخاذ القرار وصنع السياسات في مؤسساتنا.
التدوير أكثر من قرار، وهو يتطلب مقومات أبرزها وجود لجنة وطنية مهنية دائمة تُعنى بدراسة وتقييم أداء كافة المؤسسات بما فيها مواردها البشرية المؤثرة في صنع القرار، والعمل على وضع خطة تدوير وتطوير سنوية أساسها مبدأ الثواب والعقاب، لمكافأة المستحقين وتطويرهم، ومساءلة من أخفقوا في أدائهم ومحاسبتهم، وليكن الأداء الوظيفي والهم الوطني؛ ركائز أساسية في تحريك وتطوير الموارد البشرية في مؤسسات الدولة، فالحكومة والوزراء يتغيرون ويتبدلون في مواقعهم وفي مناصبهم ويبقى من دونهم في السلم الوظيفي دون تحريك أو تدوير!!! فلماذا يتم استبدال الوزراء، ولا يتم استبدال غيرهم في الهرم الوظيفي؟!! ومنهم من يعمل أحياناً ضمن أجندات أو توجهات لا تتوافق وسياسات الحكومة والوزراء، ورهانهم دوماَ أنهم باقون والوزراء راحلون .. !!!
وهذا في حد ذاته؛ يُعتبر اليوم تحديّا كبيرا أمام حكومتنا ومؤسساتنا، فإقرار سياسات كهذه أساسها المساءلة والمعايير العادلة والشفافة يخلق ثقافة المنافسة الإيجابية وبناء وتطوير الذات بين الموارد البشرية في الدولة وبين الفئات كلّها، ويولّد الحرص الشديد على النهوض بالعمل المؤسسي، كون عجلة الزمن تدور، ووقت المساءلة يقترب .
ومن تجارب التدوير والتطوير التي تعزز الطرح؛ ما نشهده من منهجية عمل في المؤسسة الأمنية ، وفِي الجامعات، حيث يكون إشغال الموقع محدوداً ومحددا بعمرٍ زمني معروف الأجل، ولعل من إيجابيات هكذا سياسات أنها تحد من الفساد الإداري، والترهل الوظيفي، والبطالة المقنعة، والتكلس الوظيفي، والشللية .
يتزامن هذا الحديث وصدور المرسوم الرئاسي بإعادة الحياة الديموقراطية للحالة الفلسطينية تشريعية كانت أم رئاسية، ليستعيد الناخب الفلسطيني مكانته كمحطّ اهتمام الجميع، وثقته بجودة خدمات الحكومة والرضا عن أدائها ما سيعكس ذاته في صناديق الاقتراع، والوطن زاخر بالكفاءات والطاقات البشرية، والمناصب لن تكون حكراً على فئة دون غيرها، وفلسطين تستحق الأفضل دائماً.
mat