بعد «المرمطة» .. بيروسترويكا أميركانا؟ حسن البطل
نشر بتاريخ: 2021-01-12 الساعة: 14:41
لا أعرف هل كان ديل كارنيجي ممولاً أو منظراً أو سياسياً، لكن أذكر عبارته: "لا شيء ينجح كالنجاح". للرئيس الـ 45 للولايات المتحدة شعاره: "أميركا عظيمة من جديد". ربما كان كارنيجي يقصد نموذج النجاح الرأسمالي الاقتصادي، حيث صار نمط الحياة الأميركية (أميركان لايف ستيل) عالمياً.
اجتاز النظام الاقتصادي الأميركي بنجاح أزمتين اقتصاديتين، الأولى أزمة الركود الكبير في ثلاثينيات القرن المنصرم، وأزمة المصارف المعروفة بأزمة بنك "ليمان برذرز" العام 2008، وكانت للأزمتين ذيول على الاقتصاد العالمي لمكانة الاقتصاد الأميركي.
بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، كان هناك مفكرون تحدثوا عن "نهاية التاريخ"، وانتصار النموذج الأميركي الاقتصادي والسياسي والديمقراطي، مثل فوكوياما.
لإنقاذ ما يمكن من الانهيار السوفياتي طرح الإصلاحي غورباتشوف إصلاحات مثل "الغلاسنوست ـ المكاشفة والشفافية" و"إعادة الهيكلة ـ بيريسترويكا". لا يحتاج النظام الرأسمالي والسياسي الأميركي إلى "غلاسنوست"، لكنه مع اقتحام تلة الكابيتول ومبنى الكونغرس، صار يحتاج إلى إعادة هيكلة وبناء جديد للنظام السياسي الأميركي. كانت هذه المرة الثانية حيث يتعرض قدس أقداس الديمقراطية إلى الاقتحام منذ العام 1814.
في العام 1776 تأسست الولايات المتحدة، وأما في العام 2020، فإن النظام السياسي الأميركي، من الانتخابات كل أربع سنوات، وطريقة التصويت، والعلاقة بين الكونغرس والبيت الأبيض، تحتاج إلى نوع ما من "البيريسترويكا" وإعادة الهيكلة والبناء، بدءاً من تعديل نظام الديمقراطية الأميركية لتتماشى مع مفهوم الديمقراطية الأوروبية، أي صوتا واحدا للناخب الواحد، وإلغاء خضوعه لحساب التصويت في المجمع الانتخابي، حيث للولايات قوة مختلفة حيث يعبر عدد أصواتها الانتخابية عن عدد سكانها.
بدأ الخلل في نظم التصويت مع الولاية الأولى للرئيس الجمهوري جورج بوش ـ الابن، الذي فاز بمئات قليلة من الأصوات في ولاية واحدة، بعد إعادة الفرز، وبموجبه خسر منافسه الديمقراطي آل غور، وقبل خسارته، خلاف الرئيس ترامب، الذي خسر في التصويت المباشر والمجمع الانتخابي، ولم يقبل بخسارته، وغرقت ديمقراطية الولايات المتحدة في أزمة منذ الانتخابات في الرابع من تشرين الثاني الماضي، إلى حفلة التنصيب في 20 كانون الثاني الجاري.
كارنيجي قال عن النموذج الأميركي الاقتصادي: "لا شيء ينجح كالنجاح"، وعن النموذج السياسي الديمقراطي يمكن القول، إن الرئيس ترامب، الذي رفع شعار "أميركا عظيمة من جديد" يمكن أن يُضرب به مثل آخر، وهو "لا شيء يفشل كالفشل".
فشل ترامب على كل صعيد شخصي وسياسي واقتصادي، وحتى بروتوكولي، بإعلانه غيابه عن حفلة تنصيب منافسه الفائز جو بايدن.
في حفلة تنصيبه، بعد فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بدا الرئيس الجمهوري الـ 45 متعجرفاً، ومع اقتحام أنصاره بتحريض مباشر منه مبنى الكونغرس، واحتمال إقالته أو محاكمته برلمانياً تسبب في "مرمطة" النظام السياسي الأميركي، فهو أهان هذا النظام وتلقى منه إهانة شخصية، وحتى إهانة من حزبه الجمهوري، الذي انقسم بين الولاء الشخصي للرئيس، والولاء للحزب والدستور والديمقراطية السياسية الأميركية، بينما اتحد الحزب الديمقراطي خلف رئيسه الفائز، وإلى سيطرته على مجلس النواب، فقد أزاح سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ.
كان لرؤساء أميركيين سابقين شعبية شخصية وسياسية عالمية، مثل الرئيس جون كنيدي، في عزّ الحرب الباردة وأزمة برلين مع الاتحاد السوفياتي، وحظي بشعبية أوروبية تفوق شعبيته الأميركية، وكذا الرئيس بيل كلينتون، بعد الانهيار السوفياتي، والرئيس باراك أوباما، أول رئيس ملون.
النفور الأوروبي من شخص وسياسة الرئيس ترامب بدأ مع مباشرة ولايته، لكن منذ جدل الانتخابات لولايته الثانية، وحتى اقتحام الكونغرس، أظهر قادة الديمقراطية الأوروبية اشمئزازاً صريحاً أو غير صريح من شخص الرئيس ترامب وسياسته أيضاً.
مع ذلك فإن فوزه كان علامة صعود للشعبوية في العديد من دول العالم، بما يذكّر ليس تماماً بصعود النظام الاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية، لكن يذكر بصعود النازية والفاشية. كيف؟
بدأ النازيون صعودهم بإحراق الكتب المناوئة، أمّا خلال اقتحام الكونغرس فإن أنصار شعبوية ترامب من غلاة اليمين قاموا بتحطيم وجمع أكداس من آلات التصوير، لأن ترامب يتهمها باليسارية، وانتهى به الأمر إلى حظر تغريداته على شبكات الاتصال.
في مطلع ولايته، وحتى بعد خسارته انتخابه لولاية ثانية، كان ترامب مزاجياً في تغيير طاقمه وكبار مساعديه، باستثناء غريب لطاقم "صفقة القرن"، أما الرئيس الفائز جو بايدن فقد أنهى تقريباً اختيار طاقم البيت الأبيض وحكومة الولايات المتحدة منذ إعلان فوزه، ليتولى تصحيح سياسة ترامب الداخلية والخارجية، تاركاً للكونغرس مهمة إصلاح النظام السياسي والانتخابي، أي ما يشبه "بيريسترويكا". ولكن أميركية هذه المرّة.
أميركا عظيمة قبل ترامب كقوة اقتصادية أولى حتى الآن، وقوة عسكرية أولى، لكن ترامب، شخصاً وسياسة، نسي أن من عناصر القوة هناك هيبة الرئيس والاحترام الذي يكنّه العالم لسياسته، وفي هذا وذاك فإن ترامب "مرمط" هيبة واحترام العالم للولايات المتحدة، ولم يكن عزيز النفس والسياسة حتى يُقال "ارحموا عزيز قومٍ ذلّ".
عشرة أيام قبل حفلة تنصيب الرئيس الـ 46 وتبدو جعبة الرئيس ترامب فارغة في مناكفة هزيمته المشينة، ورفع راية استسلامه، لكن من المبكر القول، إن أنصاره سلّموا بهزيمتهم.
mat