الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الرئيس ابو مازن استشرف خطر ترامب فتصدى لسياسته الارهابية

نشر بتاريخ: 2021-01-11 الساعة: 08:32

موفق مطر 

نحن الفلسطينيوين لم يفاجئنا دونالد ترامب بكل ما بدر منه خلال أيام انقلابه على الدستور والنظام والقانون وقيم الشعب الأميركي، فالرئيس أبو مازن كان قد أخبر الشعب الفلسطيني والأمة العربية وكل قادة العالم عبر المنابر الوطنية والعربية والدولية وتحديدا في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة عن مكامن هذه الشخصية (دونالد ترامب) الأخطر على الأمن والسلم فعدة اجتماعات للرئيس أبو مازن معه في البيت الأبيض وهنا في فلسطين في بيت لحم، كانت كافية لمعرفة طبيعة ونمط تعامله مع القضايا الحساسة في العالم، وهذا أمر لا يمكن فصله أبدا عن طبيعة ونمط تفكيره في القضايا  الخاصة بالشعب الأميركي والولايات المتحدة الأميركية، فالذي تمادى في مخالفة القانون الدولي، وسعى لنسف قواعد ونظام الشرعية الدولية والحلول مكانها كمهيمن ومسيطر على العالم بعقلية استكبار استعمارية وتمييز عنصري، وجرد سياسة الإدارة الأميركية من أدنى مقوماتها ذات الصلة مع الاجماع الدولي حول القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون رئيسا منصفا وعادلا للشعب الأميركي، ولا يمكن لمن يفرط بمصالح الولايات المتحدة من أجل ضمان مصالح إسرائيل أن يرى مصالح الشعب الأميركي، والعكس صحيح، فترامب الذي وصفه معظم نواب الشعب الأميركي بالمحرض على الإرهاب، ومرتكب جريمة الانقلاب على الدستور الأميركي، والذي كتبت عنه عشرات الكتب من أقرب المقربين له وصفته بالمخادع والمستبد والأخرق والكذاب الأناني لا يمكن أن يسهم في حل أي قضية عادلة في العالم، بل على العكس كان سببا في تعقيد القضية الفلسطينية وتعميق جراح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعمل على تدمير إمكانية إحلال الاستقرار والسلام والازدهار في المنطقة بسبب مشروعه الاستعماري المسمى صفقة القرن، وما سبقها وتلاها من اعترافه بسيادة منظومة الاحتلال على القدس الشرقية المحتلة ونقل سفارة واشنطن  إليها.

 

يهمنا كل ما حدث خلال الأيام الماضية وما سيحدث في الولايات المتحدة الأميركية، فدولة عظمى بحجمها وتأثيرها سينعكس استقرارها على العالم، كما ستنعكس نتائج الصراعات الداخلية فيها على العالم وقد تكون أفظع من سوء سياسات ومواقف الإدارة الأميركية تجاه قضايا وبؤر توتر في العالم .. لكن بالغ اهتمامنا ينصب على مدى قناعة الرئيس المنتخب جو بايدن وإدارته الجديدة بأننا نحن الشعب الفلسطيني وقضيتنا العادلة كنا أول وأهم ضحايا نزعات دونالد ترامب الشخصية، التي ثبت أنها متناقضة تماما مع مبادئ السياسة الأميركية التقليدية، مع ايصال رسالة له بأن صبرنا كان من باب الأمل بحتمية زوال اعصار وعصر ترامب المدمر، وانفتاح الإدارة الجديدة على علاقة مميزة مع فلسطين وقيادة الشعب الفلسطيني، علاقة  تقوم على احترام حق الشعب الفلسطيني في إنجاز استقلاله في دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين، كأول وأهم متطلب للاستقرار وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

 

 

 قدم الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب برهانا عمليا وبالوقائع على كل المقولات والنظريات القائلة بأن للعنصرية والدكتاتورية والتطرف والإرهاب والاستبداد رحم واحد، ينتشر الخارجون منه في بقاع العالم  بجنسيات وأتباع.

 

ستون يوما تقريبا بعد انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية كانت كافية ليظهر دونالد ترامب التناقضات العميقة في المجتمع الأميركي، والصراعات الطبقية والأيديولوجية وانعكاسها على قراراته الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية، أو المتعلقة بقضايا وملفات دولية متصلة بشكل أو بآخر وبمستويات عديدة بالمصالح الأميركية، فقد ثبت من تصرفات ترامب وسلوكه على الصعيدين المحلي والخارجي هيمنته وتفرده وتقلبات شخصيته المفاجئة، وكذلك انعدام وجود ما كان العالم يعتقده بوجود منظومة أميركية تنظم السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة على الصعيدين المحلي والدولي، فترامب كما قال جورج بوش الابن قد جعل صورة الدولة العظمى (الولايات المتحدة الأميركية) "مطابقة للأصل لجمهورية الموز"، ولمن لا يعرف معنى هذا المصطلح الذي أطلقه  الكاتب الأميركي أوليفر هنري قبل حوالي مئة عام فهو تعبير ساخر يطلق على كل دولة غير مستقرة سياسيا، يسيطر عليها حاكم  فاسد يسعى لتوظيف كل مؤسسات الدولة لمصالحه الشخصية!

 

احتقر ترامب مواطني الدولة التي يحكمها، وفرزهم في خانتين حيث منح الذين انتخبوه شهادة الوطنية، ووصف أكثر من 80 مليون أميركي انتخبوا جو بايدن "بمجموعة من الأغبياء والحمقى!!" وبهذا التصنيف والفرز الفئوي جرد ترامب الديمقراطية من روحها وهي العدل والمساواة للمواطنين دون النظر للانتماء السياسي أو العقيدة الروحية أو العرق واللون أو الجنس، حتى أن متابعة دقيقة لخطاباته وتغريداته ومنشوراته وسائل الاتصال الاجتماعي والسوشيال ميديا ستثبت لكل باحث كأنه كان في سباق مع رؤوس الجماعات والتنظيمات المتطرفة والإرهابية في العالم لتنويع عناوين عملية الفرز، فأضاف ترامب لتصنيف جماعة الاخوان المسلمين للمجتمع في خانات مسلم وكافر وملحد ومرتد، خانات كالوطني، والخائن، والأحمق والغبي والرعاع، رغم أنه لم يوفر فرصة لإظهار عدائه لمعارضيه كما فعل دكتاتوريون معروفون وزاد عليها لغته العنصرية الوقحة والصريحة على أساس التفريق بين المواطنين الأميركيين على أساس العرق واللون والجنس والانتماء السياسي والديني والمذهبي أيضا.

 

قدم دونالد ترامب نموذجا مستحدثا للإرهاب ليس فيه مشاهد قطع رؤوس وذبح والحرق كما تفعل جماعات إرهابية تستتر بالدين أو تستخدم نظريات سياسية اجتماعية متطرفة ومنها عنصرية خالصة متعلقة بتفوق جنس وعرق ولون بشري ما على بقية أبناء آدم في الأرض، إذ استطاع منح أصحاب  وأتباع هذه النزعات منشطات سرعت عملية بلورة التطرف وتكريسه على أرض الواقع، عندما مارس تحريضا اتسم بتشجيع العنف ضد المؤسسة التشريعية (الكونغرس) – رغم أنه مازال في موقع رئيس الولايات المتحدة الأميركية رسميا وقانونيا – فأصبح على رأس قائمة الانقلابيين على عهدهم السياسي وحكمهم، وما الأنباء التي تسربت حول مشاورات أجراها مع مستشارين في البيت الأبيض حول إصدار عفو عن نفسه إلا دليل ليس على معرفته وعلمه بحجم الجريمة التي ارتكبها بحق الدستور الأميركي وحسب، بل لتكريس (الخصم والحكم) (القاضي والمتهم ) في ذات الشخص وفي آن واحد، فهذا الرجل متيم بالتميز حتى ولو وصل إلى أعلى درجات جنون العظمة.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024