الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الثابت والمتغير في السياسة الأميركية حيال إسرائيل

نشر بتاريخ: 2020-12-24 الساعة: 12:42

بقلم: أحمد عساف

تناول العلاقات الأميركية الإسرائيلية، هو من ذلك النمط الذي يطلق عليه السهل الممتنع بمعنى أنها تحتاج باستمرار إلى متابعة حثيثة ومعرفة عميقة بكيفية تكونها تاريخيا. وبقدر ما في هذه العلاقة من وضوح، فليس من الصائب التعميم بأن هذه العلاقة لا تتأثر بالتطورات، ومن يقود دفة الحكم في البلدين. وقد يكون التناول وفق مقولة الثابت والمتغير هو المنهج الأصوب لفهم تفاصيل العلاقة والمواقف في كل المراحل.

 

ما لفت نظري، وكان السبب من وراء البحث في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، هو المقولة التي يكررها الرئيس محمود عباس، بأن الولايات المتحدة قد شاركت بفاعلية في صياغة وعد بلفور عام 1917، وكانت لها الكلمة الفصل فيه، فالسائد هو أن بريطانيا وبالتعاون مع المنظمة الصهيونية هي وحدها من وراء هذا الوعد. إن الدافع من وراء كتابة هذا المقال هو النقاش الدائر في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فكثير من المراقبين يميلون للتعميم والقول إنه لا فرق بين الرئيس ترامب، المنتهية ولايته، والرئيس المنتخب بايدن فيما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية.

 

في نظرة عامة للموقف الأميركي من إسرائيل هناك مسائل ثابتة لا تتغير مع تبدل الرؤساء الأميركيين أو من يحكم في إسرائيل. وهذا الثابت له أساس تاريخي وراهن، في كون أن واشنطن هي صاحبة المشروع الصهيوني، فهي شريك أساسي في صياغته ورعايته، وهي من يقدم له الدعم لما لها مصلحة في بقاء واستمرار هذا المشروع. ومن يعود إلى التاريخ، وإلى جانب دور الولايات المتحدة في صياغة وعد بلفور ومن ثم دورها في تنفيذه، فإن واشنطن، وخصوصا في أربعينيات القرن العشرين. وبعد أن أصبحت القوة المسيطرة بعد الحرب العالمية الثانية، هي من ضغط  لمزيد من الهجرة اليهودية، ومن فرض على بعض الدول التصويت لصالح قرار التقسيم (181) للعام 1947, كما ضغطت بعد ذلك في عام 1950 لإصدار البيان الثلاثي مع بريطانيا وفرنسا لاعتبار خطوط الهدنة حدودا وليس خطّا لوقف النار.

 

 وفي الخمسينيات، وبهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وضعت الولايات المتحدة خططا ومشاريع للتوطين، وحاولت تسويقها وتنفيذها إلا أنها فشلت. والثابت في السياسة الأميركية حيال إسرائيل منذ الستينيات وحتى اللحظة، هو الحفاظ على تفوقها العسكري والأمني في منطقة الشرق الأوسط، وتقديم الدعم السياسي لها في المحافل الدولية بهدف عدم المس بها واستمرارها في سياسة العدوان والتوسع دون محاسبة.

 

ومع ذلك فإن التعميم بالنسبة لنا نحن- الفلسطينيين- لا يخدم عملنا السياسي خدمة للقضية الفلسطينية، فالصراع مع هذا المشروع الصهيوني هو صراع معقد جدا نحتاج فيه أن نلاحظ أدق الاختلافات والفوارق، بهدف إيجاد منافذ مهما بدت ضيقة لتحسين شروط تحركنا السياسي وضمان ما هو أفضل لصالح الشعب الفلسطيني. وإذا أردنا أن نرى المتغير في السياسة الأميركية حيال قضيتنا، فما علينا إلا النظر إلى ما قام به ترامب بالمقارنة مع الرؤساء الأميركان الذين سبقوه أو من سيأتون بعده. فعلى سبيل المثال، فإن قرار نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس المحتلة كان قد اتخذه الكونغرس الأميركي منذ تسعينيات القرن الماضي ولكن لم يقم أي رئيس بهذه الخطوة إلا الرئيس ترامب، وكذلك الأمر بالنسبة لهضبة الجولان، ووكالة الأونروا التي قطع ترامب عنها المساعدات.

 

الفارق الذي يجب أن نراه، أن بايدن، وإن كان ملتزما بالثابت، فإنه يعلن دعمه لمبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما كان ترامب يعمل ضده تماما. والفارق أن بايدن يحترم أكثر القانون والأعراف الدولية، وهذا حسن لنا، وهو وعد بإعادة المساعدات للأونروا وللشعب الفلسطيني وسيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، ولهذا رمزية مهمة، سواء الايحاء بأن ملف القدس لم يغلق تماما كما فعل ترامب، وأن التواصل مع الجانب الفلسطيني سيتم عبر قناة غير سفارة واشنطن في إسرائيل، وهو أمر مهم أيضا في أننا كيان سياسي مختلف وتطوره مختلف.

 

ودون أن نبالغ في قراءة أي موقف أميركي سلبا أو إيجابا علينا أن نتذكر أن إسرائيل هي مشروع أميركي بامتياز، ولكن بالتأكيد هناك فوارق بين رئيس أميركي وآخر بالنسبة للقضية الفلسطينية، وحيال من يحكم في إسرائيل. أكان يريد السلام أم الاستمرار بسياسة التوسع دون الأخذ بالاعتبار الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة.

 

على أية حال من مصلحتنا ملاحظة أي تغيير، حتى لو كان طفيفا في السياسة الأميركية، تماما كما نفهم الثابت والاستراتيجية في تعاطي واشنطن مع إسرائيل.

m.a
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024