الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حتى لا يصبح الفلتان والتفلت انفلاتاً بأيدينا!

نشر بتاريخ: 2020-12-13 الساعة: 10:55

ريما كتانة نزال

أقلقنا كثيراً، كمواطنين وممثلي قادة رأي عام، ما تناقلته الوكالات الرسمية وغير الرسمية ومواقع الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي من أخبار عن مظاهر تمرد وانفلات استخدم فيها السلاح، للتعبير عن تحدي ورفض او عدم الانصياع لقرارات الحكومة بإغلاق عدد من المحافظات على خلفية ارتفاع وتيرة الإصابات بوباء «كورونا» فيها، وتركزت تلك المشاغبات في مدينة الخليل ومخيم بلاطة بنابلس.
وفي ذات السياق، فإن ما جرى في مخيم طولكرم من استخدام للسلاح في غير مكانه ادى الى خسائر بشرية غير مبررة وغير مفهومة على أيدي اخوة السلاح والدرب وتكرار هذا السلوك الاستعراضي في بلاطة وغيرها، عدا عن تكراره بأشكال وأساليب اخرى تُلحق الأضرار وتفاقم من ازمة الثقة المنظورة؛ فانها في الوقت نفسه تشكل أسلحة لمن يرغب ان يصطاد في الماء العكر، أو من يريد أن يذهب بهذا الحدث إلى أبعد من ذلك، خاصة في ضوء بعض الخطابات التحريضية التي تفرز وتصنف ابناء الشعب جغرافياً.. المخيم على جواره أو بيئته في المدينة او في القرية او على نفسه، على القانون والعقد الاجتماعي ومنظومة القيم السائدة.
وأجزم ان تلك الأحداث التي وقعت قد أثارت قلق جميع الغيورين والحريصين على السلم الاهلي وتماسك المجتمع، كمصدر لصموده في وجه العاتيات والمخاطر المحيطة الكثيرة، منها مخاطر انتشار وتفشي الجائحة الصحية، المترافقة مع تحديات وطنية وسياسية داخلية وخارجية، ليست أقل خطراً منها.
وبقناعتي أن ما حصل كان يمكن أن لا يقع لو جرى تقييم للتجربة او التجارب السابقة التي انفجرت فيها صراعات بين أجهزة السلطة ومجموعات مختلفة من الخارجين على القانون أو من لم يخرجوا عليه، من مثل «احتفالات إطلاق الرصاص في الأعراس وغيرها»، في أكثر من منطقة وعلى خلفيات متباينة، وما كان ليحصل أيضا لو تم تقييم الأداء من قبل الأجهزة الحكومية خلال الشهور العشرة، منذ وصول الجائحة إلى فلسطين وتبعاتها الصحية وانعكاساتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وتحريكها لمصالح طبقية وأجندات لم تعد خافية باتت تلعب دوراً ضاغطاً وأحياناً تحريضياً على إجراءات وسياسات الحكومة، رغم أنها ليست من الفئات الاجتماعية التي تضررت من الإغلاقات والوباء عموماً كما تضرر الفقراء والفئات الشعبية الذين اسْتُخْدِموا في الحراك وتم تجييشهم بشكل مضلل، هذا دون إغفال الأجندات السياسية التي تحاول الاستفادة من الوضع الراهن والإرباكات الحاصلة، عوضاً عن يد الاحتلال الواضحة خلف الأحداث التي تغلفت بالصراع الجهوي والتمييز المناطقي.
بالمحصلة، ما وقع في أكثر من منطقة إلى جانب ما رشح عن بُنى وهيئات من تحريض وتجييش باعث على القلق الشامل للمواطنين وينذر بمحاذير ومخاطر، إن لم يتحل الجميع بالحكمة وبالمسؤولية، عبر اعلان موقف واضح لا لبس فيه بإدانة ورفض هذا السلوك كما حصل في محافظة الخليل التي أعلنت أحزابها وفصائلها ومؤسساتها رفضها لما جرى من أعمال استفزازية واستخدام السلاح ضد قوى الأمن الفلسطينية، على خلفية قرار إغلاق المحافظة لمدة أسبوع، شأنها في ذلك شأن محافظات اخرى في الوطن على خلفية الوباء، وإن كان من وجهة نظري ضرورات إغلاق جميع المحافظات لأن تفشي الوباء واحد تقريباً والسلوكيات متشابهة.
 وما حصل في الخليل يضع الأجهزة الحكومية والأمنية أمام تحدٍ جدي، ولا سيما انها ليست هي المرة الأولى التي تتحدى فيها العشائر وبعض مراكز القوى فيها قرارات السلطة والحكومة، ابتداءً بقانون الضمان الاجتماعي مروراً باتفاقية «سيداو» وليس انتهاء بقرار الإغلاق الأخير، الأمر الذي يتطلب أن تظهر صرامة وجدية لا هوادة فيها في معالجة هذا الخلل المتكرر وغير العرضي، من خلال منهج متعدد الأبعاد يقف على مختلف الأمور والقضايا ويسمي الأمور بمسمياتها، واضعاً الأمور في نصابها الصحيح، وبما يضمن عدم تكرار ما جرى من توترات وإشكالات.
وبدون أدنى ريب أن تكرار مظاهر الفلتان في أكثر من محافظة أو في محافظة بحد ذاتها او موقع معين سببه قصور المعالجات الحكومية وتأخر علاجها بالقانون وتفاوت سياساتها ومعالجاتها الأمنية، وبرأيي المتواضع والشديد الحساسية تجاه جميع الامور والموضوعات والمسائل المتعلقة بالوضع الاجتماعي والمجتمعي والداخلي، فإنني أعتقد جازمة أن المعالجة لكل حالات انتهاك القانون يجب ان لا تكون معالجات امنية فحسب، بل يجب ان تتلازم تلك السياسة مع سياسات تقوم على الحوار والشراكة المجتمعية المطعمة بتوجهات تنموية تلبي الاحتياجات المتزايدة للناس، لقطع الطريق على العابثين وأصحاب الأجندات وسلطات الاحتلال   الذين يستغلون الفاقة الاجتماعية والفقر الذي تفاقم مع الوباء لزيادة متاعب الحكومة وتحدي سياساتها الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها.
 بالخلاصة، فإن الحكمة في المعالجة من قبل الحكومة تقتضي العمل بشكل متوازن ومتوازٍ ما بين العمل على تحقيق العدالة ما بين مختلف التجمعات السكانية والأهلية من جهة من خلال السياسات الحكومية التنموية والبنائية، وبذات الوقت اتباع سياسة حازمة تجاه السلاح الاستعراضي والخروج، ومغادرة دائرة المعالجات التسكيتية والموضعية والطبطبة، لأنها تعني الدوران في دوامة الحلقة المفرغة إياها

m.a

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024