16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة: الفراشات الثلاث/ السياسي والنسوي
نشر بتاريخ: 2020-12-07 الساعة: 08:28فيحاء عبد الهادي
منذ انطلاق حملة "16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة"، عام 1991، ونساء العالم يبتكرن أساليب ووسائل نضالية متعددة، لمحاربة وباء العنف القائم على النوع الاجتماعي، المتفشي في جميع المجتمعات، أملاً بالعيش في ظلال عالم برتقالي، خال من العنف والتمييز ضد النساء.
بدأت الحملة الدولية، بمبادرة من ثلاث وعشرين امرأة، من مختلف بلاد العالم، وامتدت لتشارك فيها "أكثر من 6000 منظمة من 187 بلداً تقريباً كل عام". اختارت يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/ اليوم العالمي للقضاء على العنف، لانطلاق حملتها، ويوم العاشر من شهر كانون الأول/ اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لانتهائها.
وعوضاً عن أن تثمر الحملة أكلها، تحقيقاً لأهدافها برفع الوعي المجتمعي بخطورة العنف ضد النساء، بحيث تنخفض نسبة من يتعرّضن للعنف تدريجياً، رصدت مراكز الأبحاث ازدياداً مطّرداً في نسبة تعرّض المرأة إلى العنف، إذ أكّدت إحصائيات هيئة الأمم المتحدة للمرأة، 9 آب 2020، أن "35% من النساء في العالم عانت من نوع من العنف – الجسدي أو الجنسي، وأنه من بين 87000 امرأة قُتلت عمداً في العام 2017 على مستوى العالم، فإن أكثر من نصفهم قُتل على يد أفراد من الأسرة.
هناك 137 امرأة تقتل على يد أحد أفراد أسرتها في جميع أنحاء العالم كل يوم، وتمثل النساء البالغات 50% من ضحايا الاتجار بالبشر الذين تم اكتشافهم على مستوى العالم. وتمثل النساء والفتيات معاً 72%، حيث الفتيات أكثر من النساء".
ومع معاناة النساء من وباء مستجد (كوفيد-19)، حيث الإغلاق، وتردي الوضع الاقتصادي، ازدادت نسبة العنف ضد النساء بشكل مخيف "أظهرت بيانات نشرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، نهاية أيلول، أن تدابير الحجْر المنزلي أدت إلى ازدياد عدد الشكاوى والبلاغات الموجهة إلى السلطات بشأن حالات عنف أسري، بنسبة 30% في قبرص، و33% في سنغافورة، و30% في فرنسا، و25% في الأرجنتين".
ونتيجة لذلك تضاعفت التحديات التي تواجهها النساء، الأمر الذي استلزم تكثيف النضال النسوي، وتصعيده، كما استلزم البحث عن أسباب تضاعف مستويات العنف ضد النساء بدل انخفاضها.
*****
تطلّ علينا صورة الأخوات "ماربل"، كلما أطلّ يوم الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني، لتذكِّر بتاريخ اغتيال الشقيقات الثلاث: باتريا، ومنيرفا، وماريا، عام 1960، بأمر من الديكتاتور "رافائيل تروخيو" (1930-1961)، حاكم جمهورية الدومينيكان، في ذلك الوقت.
هذا التاريخ الذي اختارته ناشطات نسويات من أميركا اللاتينية، عام 1981، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1999، لتخليد ذكرى الأخوات ماربل، عبر الاحتفال سنوياً باليوم العالمي للقضاء على العنف، باعتبار أن الفراشات الثلاث، أصبحن رمزاً لمقاومة العنف الموجّه ضد النساء.
فهل كانت الأخوات الثلاث رمزاً لمقاومة العنف ضد النساء فحسب؟ وهل تمّ استلهام سيرتهن كما يجدر استلهامها؟ وهل قاومت الشقيقات الثلاث العنف ضد المرأة فحسب أم أنهن قاومن في الوقت ذاته، ومع أزواجهن، ورفاقهن ورفيقاتهن الحكم الديكتاتوري في البلاد، فأصبحن رمزاً للنضال السياسي والنسوي معاً؟
*****
للإجابة عن التساؤل الملح، يجدر بنا إلقاء الضوء على نشاطات الأخوات الثلاث، ومعهن شقيقتهن الرابعة، التي نجت من الاغتيال: الشقيقة الكبرى "باتريا" (1924-1960)، الناشطة السياسية، "قيل: إنها كانت تصنع القنابل، مع زوجها بيدرو، وأبنائهم الثلاثة، وأن بيتهم كان مركز انطلاقة حركة 14 حزيران، المناهضة للحكم الديكتاتور رفائيل تروخيو".
منيرفا (1927-1960)، السياسية والحقوقية الجريئة، "اعتبرها البعض القيادة الثورية الحقيقة لحركة 14 حزيران، وأصبحت رمزاً للمقاومة"، ومن الجدير بالذكر أنها قاومت التحرّش الجنسي، من الديكتاتور "تروخيو"، وتعرّضت نتيجة لذلك إلى عدم منحها رخصة لمزاولة مهنة المحاماة بعد تخرجها من الجامعة.
ماريا تيريزا (1935-1960)، المهندسة الزراعية، والناشطة السياسية، التي اعتقلت مرتان مع شقيقتها ومثلها الأعلى "منيرفا"، عام 1960.
"بيلغا أديلا" (1925-2014)، الناشطة السياسية، والناجية الوحيدة من الاغتيال، احتضنت أبناء شقيقاتها بعد اغتيالهن، "ووثقت نضالهن من خلال كتاب "يعيشون في حديقتي" (2009)، وأقامت متحفاً باسم "إيرماناس ماربل"، وهو المنزل الذي عاشت به الشقيقات خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت الاغتيال".
اعتقلت الشقيقات الثلاث مع أزواجهن عدّة مرّات، وتعرّضن، كما تعرَّض أزواجهنّ، إلى أقسى أنواع التعذيب، إلى أن أفرج عنهنّ بوساطة من منظمات حقوقية أميركية، وبقي الأزواج في السجن، لكن الديكتاتور أرسل لهنّ أفراداً من الشرطة السرية، أثناء عودتهنّ من زيارة أزواجهنّ، ضربوهنّ بالهراوات حتى الموت، وألقوا الجثث في سيارة على الطريق الجبلي، كي تبدو وفاتهنّ وكأنها حادث سير.
ولا شك أن اغتيالهنّ قد لعب دوراً في الثورة الشعبية ضد "تروخيو"، حيث قتل في 30 أيار، 1961.
كان نضال الأخوات ماربل سياسياً واجتماعياً، نضالاً تحررياً نسوياً ديمقراطياً بامتياز.
*****
عبر اختيار الحملة الدولية "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء" لتاريخ انطلاقها، و"اليوم العالمي لحقوق الإنسان" لانتهائها، ربطت النساء بشكل خلاق بين البعدين النسوي والحقوقي، ويتبيّن ذلك بشكل واضح من خلال مواضيع العديد من حملاتها منذ انطلاقها: "العنف ضد المرأة ينتهك حقوق الإنسان"، "تحقيق حقوق الإنسان للمرأة.. تحقيق لرؤيتنا"، "المطالبة بحقوق الإنسان في الوطن والعالم"، "حقوق الإنسان للمرأة، حقوق الإنسان للجميع"، و"بناء ثقافة احترام حقوق الإنسان".
ويبرز هنا سؤال ملحّ: هل ربطت الموضوعات التي طرحتها الحملة، بشكل خلاّق أيضاً بين البعد النسوي والبعد السياسي؟
سؤال برسم النقاش والبحث على نطاق واسع، عبر رصد مواضيع الحملة الدولية، ونشاطاتها، منذ انطلاقها، وكيف وطّنتها دول العالم، خاصة في مناطق الصراعات؟
كيف وطّنتها نساء فلسطين، في ظل الأوبئة الثلاثة: وباء الاحتلال الإسرائيلي العنصري الاستعماري الإحلالي، ووباء العنف ضد النساء، ووباء كوفيد-19؟
m.a