نائل البرغوثي.. نسر الأسر وغزاله الطريد
نشر بتاريخ: 2020-11-25 الساعة: 10:51رام الله - مراسل وفا- عاش نائل البرغوثي سنوات طويلة في زنازين الاحتلال تحت الأرض، وسنوات أخرى طويلة في الخيام، ومثلها في غرف موصده يشق عتمتها ضوء يتسلل من نافذة صغيرة مشبكة بأسلاك وقضبان حديدية.
هي 41 عاما و8 أيام أمضاها البرغوثي، حتى إعداد هذا التقرير، في سجون الاحتلال.. في زنازينه العفنة ومراكز توقيفه وبوسطاته، متنقلا بين سجن وآخر.
"أبو النور" و"الثائر أبو اللهب" و"نسر فلسطين المحلق" هكذا أطلق عليه رفاق الأسر، ورسموه محلقا على جدران سجن جنيد.. وأكثر من ذلك هو عميد الأسرى الفلسطينيين والعرب.
من يزور بيت نائل البرغوثي (63 عاماً) في بلدته كوبر شمال غرب رام الله، يفهم تماما مدى حب وتعلق البرغوثي بالأرض، فلا تكاد أرضه تخلو من أي شجرة مثمرة.. كيف لا وهو الفلاح والمزارع والثائر وعاشق التراب.
بيت تحيطه كروم العنب والزيتون من الشرق، ومن الغرب أشجار الصبر الكثيف، خلف البيت مزيج من اللوزيات والنباتات البرية، أما الجهة الأمامية الجنوبية، فتكتظ بأشجار الفواكه والحمضيات التي زرعها بيديه دون أن يتذوق ثمارها.
ونائل هو راعي الأغنام في الصِغر، والريفي الذي تقافز بين حبايل الأرض والسلاسل الحجرية، في ستينيات وبدايات سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يعتقله الاحتلال بتاريخ 18 كانون أول 1977، ويحكم بسجنه لمدة ثلاثة أشهر، وعقب الافراج عنه بـ14 يوماً، اعتقل مجددا برفقة رفيقه فخري البرغوثي، ليصدر بحقهما حكم بالمؤبد و18 عاماً.
اشتهر نائل البرغوثي بين الأسرى بأنه قارئ نَهِم ولديه ثقافةٌ واسعةٌ جدًا، وقادرٌ على التحدث بالإنجليزية والعبرية، حيث كان قد تعلمها داخل السجن.. ولعل الزائر لمكتبته الشخصية يجد عشرات الكتب التي تروي حكايات فلسطين "تاريخيا وسياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا".. معظم ما كتب عن فلسطين قرأه نائل واحتفظ به.. وهو أيضا العاشق للتاريخ والجغرافيا التي تخصص بهما في جامعة القدس المفتوحة التي انتسب إليها في العام 2013، وهو في سن ال56، لكن حلمه الدراسي تأجل إلى حين!
"واحدة من هوايات نائل في طفولته زيارة المسجد الأقصى، دون علم ذويه" يقول قريبه فخري البرغوثي. ويضيف: كان نائل مشاكساً منذ صغره، نادرا ما يستجيب لأوامر الابتعاد عن المظاهرات وملاحقة جيش الاحتلال، وفي واحدة من تلك المواجهات، سرق عصا من أحد الجنود في منتصف السبعينيات وبقي محتفظا بها في بيته حتى سنوات قليلة، قبل أن يصادرها جيش الاحتلال خلال واحدة من اقتحاماته المتكررة لبيت البرغوثي.
ايمان نافع، زوجة نائل، وهي محررة أمضت عشر سنوات (1987-1997) في سجون الاحتلال، قالت لـ"وفا": سمعت لأول مرة باسم نائل عام 1997، حين طلبني للزواج، بعد تحرري، لكن ظروف خاصة منعت إتمام النصيب، ثم لاحقا في عام 2004، فشدني إصراره على الزواج مني، وهو ما كان لنا في تشرين الثاني 2011، لكن الاحتلال سرق منا فرحة عمرنا، بعد أن اعتقله مجددا عام 2014، حيث لم نعش مع بعضنا أكثر من 32 شهراً.
عن سؤالنا حول ماذا يخطط نائل حين يتحرر، أجابت نافع: أكثر شيء ينوي فعله هو كتابة تجربته في الأسر، إضافة إلى تجربتي، ونحن متأكدان أنها ستكون غنية وملهمة للأجيال ولتراثنا ولمراحل طويلة من حياتنا الخاصة وتاريخ شعبنا المناضل.
وخلال سنوات اعتقاله، فقد البرغوثي والديه، وعندما أطلق سراحه خلال صفقة لتبادل الأسرى تم بموجبها الافراج عن 1047 اسيرا مقابل الافراج عن الجندي شاليط.. وجد نائل بيت أهله خالياً فقد توفي والداه وكانت اخته الصغرى حنان عمرها 13 عاماً عندما تم اعتقال أخويها. وقد تزوجت قبل أشهر من إطلاق سراح أخيها عمر عام 1985، واصبحت جدة.
وترى زوجته ايمان نافع، أن سر إعادة الاحتلال اعتقال نائل وإعادة حكمه السابق "المؤبد" هو قوة نائل وإصراره على مبادئه التي اعتقل من أجلها قبل 41 عاما، وعدم تنازله للاحتلال أو مهادنته، ومتابعته لشؤون الأسرى والاهتمام بقضيتهم.. ذلك أنه "نسر السجون المحلق وغزاله الطريد.
m.a