الرئيسة/  مقالات وتحليلات

ديمقراطية الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية: تجديد شرايين الشرعية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 2017-10-12 الساعة: 09:51

د. أيمن يوسف استخدمت دلال باجس في آخر أطروحاتها حول الحركة الطلابية الإسلامية نظرية التطور الطلابي لمؤلفها Chickering   لان الجامعة تسهم بشكل مباشر في تطوير اختصاص الطلبة وإدارة عواطفهم وعلاقاتهم المتبادلة وعلاقاتهم الشخصية ، وما يتبع ذلك من إنشاء لهوية جماعية وتحديد الأهداف الحياتية بهدف الوصول إلى الكمالية ونشر الوعي المجتمعي والنقابي وتنمية القدرات الذاتية والحزبية. وقبل الولوج إلى صميم الدور  الذي تقوم به الحركة الطلابية في دمقرطة الحياة الطلابية والسياسية الفلسطينية, يود الباحث أن يورد النقاط التالية كخصائص بارزة تمتاز بها الحركة الطلابية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة:

جاء تشكيل المجالس الطلابية في الجامعات الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي على خلفية التناقض والصراع  مع الاحتلال الإسرائيلي, ولم يأت على أساس صراع بين الطلبة وإدارات الجامعات. ومع هذا استمرت المحاولات الجادة للربط بين النضال الوطني ضد الاحتلال وسياساته الاقصائية  والتهجيرية من جهة, وبين دمقرطة الحياة الطلابية من جهة أخرى  . ومن هنا ظهرت قضية التناقض الإشكالي بين السياسي الوطني من جهة ، والمطلبي وغير السياسي في أطروحات الحركة الطلابية من جهة أخرى.
الكتل الطلابية المختلفة هي بالأساس امتداد للحركات والفصائل والتنظيمات السياسية الفلسطينية التي تواجدت في الشتات الفلسطيني قبل التوقيع على اتفاق أوسلو. ومن وجهة نظر بعض نشطاء الطلبة داخل أسوار الجامعات الفلسطينية أن مختلف الحركات الطلابية, وما تنتمي إليه من فكر إسلامي أو وطني أو يساري غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في الشؤون الطلابية العامة بعيداً عن قياداتها السياسية. لذلك يتساءل بعض رموز وقيادات الحركة الطلابية حول أهلية ومصداقية الحديث عن حركة طلابية فلسطينية فاعلة, بعيداً عن التنظيمات والفصائل والأحزاب خاصة أن بعض الفصائل تدخلت في كل صغيرة وكبيرة في عمل الكتل الطلابية ، وجيرت تجاربها لمصلحة الحصول على شرعيات وطنية منقوصة.
تعرضت الحركة الطلابية الفلسطينية لحالة من التشرذم والتكلس السياسي والتنظيمي بعد التوقيع على اتفاق أوسلو, بسبب بروز اهتمامات وتناقضات جديدة على الساحة الفلسطينية. وقد امتازت الحركات الطلابية والبنى الجماهيرية عموماً بالجمود والخطابية والشعاراتية والرومانسية والطوباوية الحالمة بعيداًُ عن الواقعية, فضلا عن التشرذم والانقسام حيث جاء بناء مؤسسات السلطة الوطنية على حساب المنظمات الشعبية والاتحادات النقابية  ، ولان السلطة الوطنية والأحزاب السياسية عملت ضمن خطة لاحتواء هذه الحركات الاجتماعية عموماً .
بقيت مشاركة الطالبات الفلسطينيات في النشاط الطلابي داخل الجامعات محدودة ولا يعكس أعدادهن وحجمهن, وبدلاً من ذلك أخذت هذه المشاركة الطابع الشكلي والتجميلي. إن مراجعة نسبة تمثيل الطالبات في مجالس الطلبة يمكن أن تستخدم كمؤشر لمعرفة مدى إدماج النوع الاجتماعي أو الجندر في العملية التعليمية في الجامعات. هذا بالرغم من الدور الحاسم والمحوري الذي تقوم به الطالبات من نشاطات نقابية وطنية وسياسة داخل الحرم الجامعي على شاكلة المناظرات الطلابية وصياغة محاور الدعاية الانتخابية وعملية الشورى الداخلية والإخراج الفني للمهرجانات والاحتفالات وتوزيع البيانات والملصقات وما إلى ذلك من مهام أخرى مرتبطة بالتوعية والتثقيف.

يمارس عشرات آلاف الطلبة الفلسطينيون داخل أسوار الجامعات ديمقراطية شبابية من خلال مشاركتهم في تجربة انتخاب ممثليهم في مجالس الطلبة للعناية بأمورهم وشؤونهم اليومية وقضاياهم متعددة الأوجه والمظاهر، التعليمي منها، والسياسي والنقابي والأكاديمي. إن الدراسات البحثية المحكمة ذات الشأن الرفيع التي تناولت الحركة الطلابية الفلسطينية، والتي هي في الحقيقة قليلة جداً،  توصلت إلى نتيجة مفادها أن مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية عبر تاريخها الطويل قامت بمهمتين رئيسيتين : الأولى والحاسمة كانت وما زالت سياسية الطابع ونضالية المحتوى، تتمثل بمقارعة الاحتلال وخلق جيل طلابي واع وقادر على فهم المعوقات والتناقضات المفصلية الهامة التي مرت بها قضية الشعب الفلسطيني، لدرجة أضحت معها الحركة الطلابية تتسيد المقاعد الأمامية في الحركة النضالية الفلسطينية خاصة في أعقاب نكسة عام 1967.

والثانية هي بالأصل خدماتية اجتماعية وأكاديمية ونقابية الطابع تهدف إلى مساعدة الطالب الفلسطيني لإكمال مشواره التعليمي من خلال توفير أجواء مريحة للعلم والتعلم، ومن خلال مد يد المساعدة للطلبة المحتاجين للوصول إلى المقاعد الجامعية، وتأمين المنح والقروض والمساعدات, وضمان التنسيق الجيد مع إدارات الجامعات ووزارة التعليم العالي بهذا الخصوص.

 وتحاول دائما الكتل والتنظيمات الطلابية المختلفة فرض ذاتها, والترويج لبرنامجها السياسي والخدماتي، حيث تقدمه بألوان وأشكال مختلفة للطالب الفلسطيني، خاصة الطلبة الجدد الذين دخلوا الحرم الجامعي دون أن يكون لهم الخبرة والمعرفة الكاملة بالعمل الطلابي. وتختلط صور الشهداء والشعارات الوطنية مع المنشورات والكتيبات التي توزعها كتل العمل الطلابي لتحتوي على أهدافها وأطروحاتها وأفكارها وإنجازاتها, وما ستنوي فعلا ًتقديمه إذا ما أتيح لها فرصة الوصول إلى مقاعد مجلس الطلبة, وبالتالي المساهمة في بناء وتطوير الحياة الديمقراطية داخل الجامعات . وقد عقب احد طلبة الكتلة الإسلامية على انتخابات الجامعات الأخيرة التي جرت في ربيع 2013 بالقول أن تلك التجربة كانت غنية بعودة روح المنافسة بين الكتل الطلابية ، وزيادة منسوب الوعي الذاتي والنقابي والوطني بين الطلبة ، وتقديم مقترحات جديدة لإعادة الحياة والحيوية لمجالس الطلبة في سبيل تفعيل أدوراها في خدمة الطلبة والعملية الأكاديمية وخدمة المجتمع المحلي.

 ويكتسب الطلبة, باللغة السياسية, خلال وجودهم في الجامعات لمدة أربع سنوات مهارات إضافية من خلال عملهم التطوعي في الكتل والتنظيمات الطلابية، فهم الأقدر على إدارة الحملات الانتخابية والدخول في المناظرات السياسية والفكرية، إضافة إلى مهاراتهم الخطابية والكلامية على مستوى الشخصية والأداء، خاصة المرتبط بالقدرة للوصول إلى أصوات الطلبة الذين لم يحددوا بعد لمن سيصوتون يوم الانتخابات الكبير. إن هذا التمرين الانتخابي له فعلاً استحقاقاته في استيلاد قيادات شابة من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية, وبخاصة من الأرياف والمخيمات والطبقة الوسطى.  هذا حتماً ينعكس إيجاباً على الهوية الوطنية الفلسطينية ويسهم في تثبيت الإنسان الفلسطيني على أرضه في ظل معادلة ديموغرافية سكانية يحاول الاحتلال استغلالها لتهجير الفلسطينيين بطريقة ناعمة من خلال بناء المستوطنات والجدار العازل وقتل إمكانيات الحياة والمستقبل في الأراضي الفلسطينية.

وفي بعض الجامعات، تدخل الكتل الطلابية في تحالفات وعلاقات تضامنية ائتلافية قبيل الانتخابات أو بعيدها، بناء على أيديولوجية مشتركة أو برنامج سياسي وطني متقارب, وقابل للتطبيق على أرض الواقع. هنا تظهر قدرة كل اتجاه أو تكتل طلابي للدخول في معترك المساومات والمفاوضات مع الاتجاهات والكتل الأخرى لتنسيق جهودها الطلابية ضمن اتفاقية أو تفاهم ضمني يكفل توزيع المصادر والموارد والغنائم في فترة ما بعد الانتخابات، إذا ما قدر لهذا التكتل أن يفوز ، ومن الأمثلة على ذلك دخول الكتلة الإسلامية المحسوبة على حركة حماس في قائمة واحدة مع الجماعية الإسلامية وهي الجناح الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. لكن المشكلة أن التحالفات بين الكتل الطلابية افتقدت إلى المهنية والأبعاد النقابية, حيث بقي التركيز على البعد السياسي والمصلحي أساسه معارضة السلطة الوطنية واتفاق أوسلو ، أكثر منه تحالف قائم على برنامج عملي مقبول. فعلى سبيل المثال لا الحصر وبالرغم الاختلافات المنهجية والأيديولوجية والفكرية بين الكتل الإسلامية واليسارية, إلا أنها دخلت في تحالف واحد لمعارضة القوى الطلابية المؤيدة لحركة فتح والسلطة الوطنية.  

 إن التجربة الديمقراطية الواعية بين أوساط الطلبة في رحاب الجامعات يمكن أن تسهم بالتأكيد في تعزيز التوجهات الديمقراطية, وتقوية البنيان الداخلي للمجتمع الفلسطيني إن تم استغلالها على الوجه الأمثل. إن تنمية المجتمع المدني وتقويته يعد من أهم المداخل النظرية التي تساهم في إحداث تحول ديمقراطي، خاصة إذا اقترن تطور المجتمع المدني ومتطلباته وشروط أو مسبقة أخرى من أهمها تعميق الثقافة السياسية الناضجة وأنسنة التعليم وبث قيم التسامح والتعددية السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية, وتقبل الآخر والتعايش معه تحت مختلف الظروف والمستجدات.

وهناك آليات مختلفة ومتعددة للتحول الديمقراطي، وما زالت أصداء الحوارات والنقاشات والندوات المتخصصة تدور حول أفضل الطرق والوسائل التي تفضي إلى فضاء ديمقراطي حقيقي. من بين هذه المداخل والآليات التي تبناها البعض هو مدخل الإصلاح والتجديد المؤسساتي في بنية النظام القائم بمؤسساته ومكوناته الرسمية وغير الرسمية,. فدرجة المأسسة والبناء الداخلي المنظم والاستقلال المالي للاتحادات والنقابات النسوية والطلابية والعمالية والطوعية والمهنية, وتقوية الديمقراطية الداخلية للأحزاب والقوى السياسية سينعكس إيجاباً على النظام السياسي الفلسطيني ككل. فكلما كانت الأنظمة واللوائح الداخلية واضحة, وكلما كانت الممارسات الحزبية والنقابية تعلي من شأن التعددية السياسية والفكرية، فقد أسهم هذا في مأسسة التجربة الديمقراطية الوطنية, وعقلنة الأنظمة والقوانين والمعايير التي تعنى بالعملية السياسية عموماً.

إن تعزيز هذا الشعور, وهذه الممارسات يتطلب عقد الورش والندوات الدورية المتخصصة التي تتناول أمور الحركة الطلابية, ومشاكل طلبة الجامعات، خاصة في هذا الزمن الذي تعاني فيه الحركة التعليمية الفلسطينية مشاكل جمة ومعقدة. فعملية التثقيف السياسي والنقابي أمست ضرورة وطنية بحيث تعنى بها مجالس الطلبة المنتخبة وعمادات شؤون الطلبة وممثلو الكتل الطلابية بعملية التوعية من خلال مساعدة الطلبة للإلمام بأبجديات الحركة الطلابية الفلسطينية، من حيث البدايات والمراحل التي مرت بها وظروفها الحالية. هذه الورش المتخصصة ستساعد بالتعريف بالمؤسسات القيادية والتنظيمية التي قادت العمل الطلابي داخل الوطن وخارجه، كما أنها ستساعد في معرفة العلاقة العضوية/الوجدانية بين كتل العمل الطلابي وفصائل العمل الوطني المقاوم. كما أن للحركة الطلابية دوراً في تدعيم المؤشرات الديمقراطية من خلال المشاركة الفاعلة في عملية الانتخابات, والإصلاح السياسي والاجتماعي والتعليمي، كما أنها قادرة على رفد النخب السياسية الفلسطينية بكوادر جديدة  ، ناهيك عن القيادات التي تظهر على المستويات المحلية والريفية والمناطقية.

لا يعني التحليل السابق أن الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية تحولت إلى حدائق زهور بالنسبة للديمقراطية الطلابية لان هناك العديد من المعيقات والمنغصات البنيوية والذاتية تعتري انجازات هذه الحركة الشبابية. من خلال الملاحظات والبيانات والمقابلات التي أجراها الباحث في أوساط الطلبة، ومع الكتل الطلابية  من مختلف الألوان والأطياف السياسية ، لوحظ أن هناك تردد بين العديد من الطلبة من سرد أو تحليل بعض الظواهر السلبية التي تعتري العمل الطلابي والنقابي داخل الجامعات بما فيها حيوية إجراء مراجعة نقدية ذاتية داخل الكتل الطلابية التي هي امتداد طبيعي للأحزاب السياسية والفصائل الفلسطينية خارج الحرم الجامعي ، كون النخبة السياسية هي المسيطرة على قيادات الحركة الطلابية. يضاف إلى ذلك ضعف الثقافة السياسية عموماً سواء داخل الكتل الطلابية والتأطير الحزبي فيها ، وإلمامها بأبجديات البرامج والأطروحات السياسية بسبب تراجع دور القراءة والتنظير الذاتي. وأخيرا كان هناك تردد كبير  للحديث الصريح  عن تدخل عوامل خارجية في مجريات الحياة الجامعية خاصة الأجهزة الأمنية والمتغيرات والفواعل القبلية والمناطقية والأحزاب السياسية.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024