الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تجمع أيها اللحم الفلسطينيّ في واحدْ

نشر بتاريخ: 2017-10-11 الساعة: 09:41

عماد الأصفر صبيحة احد ايام شهر ايلول من عام 1961، وقف الشاب الوسيم بنظارته سميكة العدسات في ساحة مدرسة المزار الجنوبي بمحافظة الكرك الاردنية وقال: انا ماجد ابو شرار مدير مدرستكم الجديد، لم يكن ومنذ الوهلة الاولى مديرا تقليديا في نظر الطالب نايف النوايسة، الذي اصبح فيما بعد اديبا غزير الانتاج، تكتب في مؤلفاته اطروحات الماجستير.

كتب النوايسة في جريدة الرأي تحت عنوان "فارس لا ينسى" : "كان المدير الجديد شخصية ناعمة بكلام مرتب ولا يحمل عصا،.... لم اكن اعرف ان هذا المدير سيكون قامة اعلامية وادبية وسياسية ونضالية تقض مضاجع الصهاينة وتجعله هدفا للاغتيال ... كثيرون في الكرك يتذكرون شهامة هذا المدير ومواقفه المساندة والداعمة التي اتاحت لبعض الطلبة مواصلة تعليمهم".

يضيف النوايسة: "دخل المدير ابو شرار صفنا، وقف فوق رأسي تماما، سحب الورقة بغضب من يدي واخذ يتمعن فيها، أخرج من جيبه حصاة صغيرة وضعها خلف شحمة اذني وبدأ يشد عليها، انا اتوجع، وهو يصرخ فيَّ مستنكرا: هذا درس تاريخ وانت ترسم؟! من هذا الذي ترسمه؟! اجبته انني ارسم صلاح الدين الايوبي لانني احبه، ابعد الحصاة عن اذني وربت على كتفي وقال بصوت متهدج: وانا مثلك احبه، نظرت في عينيه، وما زلت اذكر ذلك البريق". 

صديقي صالح مشارقة ابن مدينة دورا ايضا مثل ماجد ابو شرار، ارتبط بفتح بعد قراءة 3 كتب اولها فلسطيني بلا هوية لصلاح خلف وثانيها التناقض والممارسة لمنير شفيق وثالثها الخبز المر  لماجد ابو شرار، وبفضل الكتب الثلاثة حدد هويته الوطنية، وعرف نقيضها ووعى كيف يمارسها. لقد قاده الربط الخلاق بين الثورة والمجتمع في قصص الخبز المر الى الجلوس في خلية فتحاوية.

 يروي صالح عن الاديب يحيى يخلف قوله: عملنا سرا على طباعة مجموعته القصصية وفاجأناه بها، بكى بكاءا مرا وهو يشاهد خبزه المر بين دفتي كتاب، كان ذلك حلمه، ولكنه كان يؤثر غيره على نفسه رغم انه كان المسؤول الاعلى للاعلام الموحد الذي طبع عشرات الكتب لشبان آخرين.

كان جادا ومجتهدا يردد باستمرار: "من يريد منكم أن يستمر وينتصر فلينظر في عيون الأطفال". هذه الجدية جعلت بوصلته صائبة وجعلت شخصيته عصية على اتهامات المزاودين والمنشقين. وكان ناقدا ساخرا في مقالاته كما تشهد بذلك زاويته "جدا" بصحيفة "فتح" حيث اشتهر بمقالاته: صحفي أمين جدا، واحد غزاوي جدا، شخصية وقحة جدا،و واحد منحرف جدا.

ماجد لم يكن محسوبا لدورا الخليل او عليها، فدورا التي انجبته تشبه غزة التي احتضنته وعلمته، ماجد لم يكن فتحاويا ضيق الافق ولا وطنيا منغلقا، كان منفتحا على كل ما في الانسانية من عدل واخاء. كان يؤمن بأن الثورة فلسطينية الوجه ولكنها عربية القلب عالمية الابعاد.

 

بهذه المواصفات كان لا بد من التقاء روحه وشخصه بروح وشخص الشاعر الكبير محمود درويش، المتتبع لشعر درويش يعرف انه لم يقل عن احد انه صديقه واخوه وحبيبه الا عن ماجد حين رثاه:

صديقي، أخي، يا حبيبي الأخيرَ

من الصعب أن أتأمّل وجْهَ حبيبي

ولا أغمر الأفُق المستديرَ عسلْ

من الصعب أن أتحسس كفّ حبيبي

ولا أحفن السلم منها كرف حجلْ

من الصعب أن يتدفّق صوتُ حبيبي

ولا يتحول قلبي إلى فرس من أملْ

حبيبي، من الصعب أن أتأمل موتَ حبيبي

ولا أرميَ الأرض في سلة المهملات

*****

صباح الخير يا ماجدْ، صباح الخيرْ

قم اقرأ سورة العائدْ، وحث السيرْ

إلى بلدٍ فقدناهُ، بحادث سيرْ

صباح الورد يا ماجدْ، صباح الوردْ

قم اقرأ سورة العائدْ، وشدّ القيدْ

على بلدٍ حملناهُ، كوشم اليدْ

صباح الخير يا ماجدْ، صباح الخير والأبيضْ

قم اشربْ قهوتي، وانهضْ

*****

يا حلم الفلسطينيّ في الطرقات، يا نهراً من الأجساد في واحدْ.

تجمّع واجع الساعدْ.

تجمّع أيها اللحم الفلسطينيّ في واحدْ

تجمّع واجمع الساعدْ

لتكتبَ سورة العائدْ...

*******

هذا التجمع في واحد الذي اراده درويش كان يعبر عنه ماجد دائما بقوله المتكرر: "فلسطين اكبر من الجميع، واكثر جراحا من ان تحتمل جراحا جديدة، وعلى ايدي ابنائها".

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024