الرئيسة

مؤسس بينك فلويد من موسكو: فاصل ونواصل.. المقاومة

نشر بتاريخ: 2018-09-05 الساعة: 10:57
مؤسس فرقة "بينك فلويد" روجر ووترز

Floyرام الله-روسيا اليوم-، روجر ووترز، مؤخرا حفلا في المجمع الرياضي الأولمبي بموسكو، حضره جمع غفير من محبي الروك، وربما ممن يشاركون روجرز مواقفه وآراءه السياسية.. أو بعضا منها.

الحقيقة أن روجر ووترز يستحق في الآونة الأخيرة اهتماما أكبر بشخصه، لا يقتصر على ما يقدمه فنيا فحسب (سواء الإرث الموسيقي القديم أو الحديث)، بل يشمل ما يطرحه من أفكار وآراء سياسية، تجعله ضمن القلّة القليلة في الغرب، ممن يسبحون عكس التيار، لا سيما في القضايا المتعلقة بنا نحن العرب، ما يعني أنه كان سيستحق هذه المساحة من الضوء المسلّط عليه حتى لو اعتلى المنصة للحظات، ولوّح بيده لجمهوره ثم انصرف.. بحجة أن التلويح قد أنهكه.

بداية.. تدرك عند حضورك حفلات لفنانين من العيار الثقيل، كروجر ووترز، معنى "فنان يجمع ستاد". لم تكن هناك فرق لإحماء الجمهور، كما جرت العادة في حفلات كهذه، إذ كان الجمهور، سيما على بعد خطوات من المنصة حيث كنت أقف، متحمسا بما فيه الكفاية.. وكانت درجة حرارة الرغبة برؤية النجم اللامع ترتفع تزامنا مع العد التنازلي في انتظار ساعة الصفر.

استعان ووترز بموسيقى عربية، وذلك بظهور سيدة تضع منديلا على رأسها في البداية، في فيديو لامرأة تجلس متسمّرة على شاطئ وتتأمل البحر، على وقع أغنية "تكبّر أكثر" بأداء اللبنانية أميمة خليل، وهي قصيدة لمحمود درويش لحّنها مارسيل خليفة.

بدأ الحفل وسط ترحيب صاخب من جمهور وفيّ ومخلص، جاء للّقاء بروجر، علما أن ثمن التذكرة من الممكن أن يجبر بعضهم على التخلي عن أولويات، بل وربما أن هناك من أنفق آخر ما لديه ليحضر هذا الحفل، ورفض كل المغريات لبيع تذكرته في السوق السوداء قبل الحفل بضعف ثمنها.. كل ذلك من أجل أن يستمتع بفنانه المفضل، مؤسس إحدى أشهر فرق الموسيقى العالمية، ومن أجل لحظات من الغذاء الروحي.. فمن قال إن الغذاء الروحي ليس من الأولويات؟

غنّى ووترز وتفاعل الجمهور، غنّى وهتف وتفاعل الجمهور، غنّى ووترز وندّد وهنا أيضا تفاعل الجمهور، خلال أول ساعة ونصف مرت سريعا، كان أحدهم يرفع العلم الفلسطيني بين الحين والآخر، لينتهي الجزء الأول من الحفل بإعلان الفنان البريطاني عن فترة استراحة لثلث ساعة.. مختتما إعلانه هذا بقوله: "فاصل ونواصل.. المقاومة". 

لكن "المقاومة" استمرت حتى في فترة الاستراحة، فكان الأمر أشبه باستراحة مقاتل، وذلك من خلال ظهور جُمل وعبارات على الشاشة، بدت أقرب إلى منشورات تسبق بيان ثورة، فكان الجمهور يقرأ ويصفق، ما يمكن اعتباره تأييدا لأهداف ثورة روجر ووترز.

 

عبّر ووترز في هذا الحفل عن مواقفه السياسية بعبارات مقتضبة.. موجها بها سهام انتقاداته الحادة إلى النظام العالمي الجديد، والقائمين عليه من سياسيين وممثلي الطبقة الأوليغارشية، دون أن يبخل بسهامه هذه على قادة عرب وإسرائيليين وأمريكيين، ابتداء بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وليس انتهاء بمندوبته في الأمم المتحدة نيكي هايلي، داعيا إلى دعم روسيا في مواجهتها مع الغرب، وإلى مساندة مارك زوكربيرغ وجوليان أسانج، مندّدا بالعنصرية وبعدم اكتراث أصحاب القرار ورؤوس الأموال بما حلّ بكوكبنا من تلوث بيئي.

لم يقتصر حضور لبنان على أغنية "تكبّر أكثر"، وذلك بعد أن تبيّن لي أن الشخص الذي رفع العلم الفلسطيني هو ناشط لبناني يُدعى أنيس صافية. ومن يدري.. لو كنت أقف على الجانب الآخر من حلبة الرقص لرأيت عراقيّا يرفع العلم السوري.. وهي حالة تبدو منسجمة تماما مع ما صرّح به روجر ووترز بشأن الأزمة السورية مؤخرا، مستنكرا "الخوذ البيضاء الكاذبة"، المنظمة المثيرة للجدل!.. المشكوك بها!.. لا بل غير المشكوك بها الآن، بعد أن تكشّفت حقائق تثبت ضلوعها في فبركات مشينة، بغض النظر عن موقف المتلقي من الأحداث في سوريا.

من الجدير بالذكر أن روجر ووترز يُعدّ أحد أبرز النجوم العالميين، الذين يبدون اهتماما كبيرا بالقضايا العربية، حتى أن علاقاته الفنية والشخصية تحمل نكهة عربية.. وهو ما يتضح باعتماد بينك فلويد تصميم الغلاف لألبوم The Endless River، الذي قدمه الفنان المصري الشاب، أحمد عماد الدين، وذلك في عام 2014، وكان عماد الدين آنذاك في الـ 18 من عمره، بالإضافة إلى تشبّع ووترز بالثقافة العربية أكثر.. من خلال العلاقة التي جمعته بالإعلامية، الروائية الفلسطينية - الإيطالية رولا جبريل.

عاد روجر ووترز إلى منصة الحفل ليستقبل جمهوره بتصريح فني لا يخلو من السياسة، وذلك حين عبّر عن سعادته بإلغاء 12 فنانا وفرقة موسيقية مشاركاتهم في مهرجان Meteor الفني في إسرائيل، معربا عن سعادته بانضمام المغنية الأمريكية لانا ديل راي إلى القائمة، فقرأ على الحضور هذا النبأ كخبر عاجل، وسط ترحيب من الجمهور.

كان من ضمن ما تحدث عنه روجر ووترز الجدار.. فمن يتمتع بحق الحديث عن الجدران قبل غيره، سوى فنان متمرد بطبعه كروجر ووترز؟ مؤلف أغنية "الجدار"، كلمة ولحنا، الأغنية التي تحتل مواقع متقدمة ضمن أشهر أغاني الروك في العالم.

كان الجدار حاضرا في الحفل، حينما وضع روجرز الكوفية على عنقه في ظل استمرار ظهور "البيان الثوري" على الشاشة أمام الحضور، حاملا عبارات شجب واستنكار للجدارين العازلين، في فلسطين المحتلة، وعلى الحدود الأمريكية المكسيكية.

"إما أن تتخذ القرار الصحيح أو تتجاهل".. "الخنازير تحكم العالم".. "كن إنسانا أو مت!". هذا غيض من فيض مما جاء على لسان روجر ووترز، الذي أطلق لمشاعره العنان في هذا الحفل، ليشتم هذه "الخنازير" بكلمة السباب الأشهر، وربما الأوحد، في الثقافة الأنجلوسكسونية.  

أدلى روجر ووترز أثناء تواجده في موسكو بعدد من التصريحات السياسية، وربما كلمة "تصريحات" هي الأنسب هنا.. محاولا مخاطبة العقل والوجدان الغربيين، مشددا على أن معاداة روسيا خطأ كبير، ومذكّرا بفضل الاتحاد السوفيتي على العالم، بالانتصار على النازية في عقر دارها، وإنقاذ البشرية من شرورها.

انتهى الحفل، فهتف الجمهور بالشكر لروجر ووترز، ليردّ الفنان العالمي وهو يذرف الدموع: "لا.. بل الشكر لكم أنتم"، لتعود السيدة التي تضع منديلا على رأسها للظهور على الشاشة، ولنرى أنها كانت تنتظر طفلة صغيرة اقتربت من السيدة التي احتضنتها.

بعد غياب طال سبع سنوات، عاد روجر ووترز إلى موسكو، حيث كان آخر حفل له في العاصمة الروسية، في أبريل 2011، تزامنا مع اندلاع الأحداث الدامية في سوريا، مما ترك إحساسا بملامسة رمزية ما، تبث شعاعا من الأمل، بحفله في المجمع الأولمبي 2018.. ذلك الحفل الذي يرقى كل حدث فيه لأن يكون عنوانا لمقال.

 

 

khl

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024