الرئيسة/  مقالات وتحليلات

هدية القيصر .. عودة اللاجئين السوريين

نشر بتاريخ: 2018-08-14 الساعة: 10:37

عبير بشير يبدو المطبخ الروسي، مؤهلاً أكثر لتقديم وجبات دسمة شهية في الملف السوري، فهو مطبخ سياسي وعسكري قدير، يعمل تحت إشراف كبير الطهاة- الشيف بوتين-، وخصوصاً بعدما أصبحت موسكو هي الممر الإلزامي، نحو أي تسوية مؤقتة أو دائمة في سورية.
وأكثر الوجبات الشعبية الدولية رواجاً –الآن- والتي بدأ المطبخ الروسي بإعدادها، هي مبادرة بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم سورية.
لكن ما أعطى المبادرة الروسية هذا الزخم ليس فقط تراجع حدة المعارك ميدانياً، وسقوط ريف دمشق ودرعا بيد النظام السوري- والدور على إدلب-، وإحساس موسكو بفائض قوة، تجاه خريطة التوازنات السورية، وإنما أيضاً ما رشح من توافقات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في هلسنكي، بشأن إعادة تأهيل نظام الأسد، وتسهيل عودة ملايين اللاجئين، باعتبار هذه المبادرة، ممراً إجبارياً لتطويق نفوذ طهران ومخططاتها للتغيير الديموغرافي في سورية.
وبهذا يستطيع الكرملين، "تقريش" الانتصار العسكري، وتحويله إلى منجزات ملموسة، رغم الجراح النازفة في أكثر من مكان في الجسد السوري. والأهم، انها ضربة معلم، فالقيصر بوتين يحرك ملف النازحين السوريين، كهدية يمكن أن تغري القارة العجوز- أوروبا- بالمساهمة في إعادة إعمار سورية، ودفع فاتورة مشروع- مارشال- السوري، المقدر بعشرات مليارات الدولارات، تحت عنوان عريض وهو عودة اللاجئين، وتوفير الظروف الملائمة لتلك العودة. بعدما أصبحت الدول الأوروبية تضج باللاجئين مع التنامي اللافت للتيارات الشعبوية المناهضة للأجانب في الغرب.
وشملت خطة إعادة النازحين السوريين، والتي أعدتها وزارة الدفاع الروسية في هذا الشأن، الطلب إلى الأوروبيين والأميركيين المشاركة في إعادة إعمار البنى التحتية، للمناطق المدمرة، التي يفترض أن يعود إليها النازحون.
وفي هذا المسار، رعت المدينة الروسية الساحلية – سوتشي- مؤخراً، صفقة لاستكمال مراسم تشييع الثورة السورية، والتي بدأت مع مسار آستانة عبر الإعلان عن مناطق خفض التصعيد. ورافعة هذه الصفقة، هي مقايضة بين روسيا والدول الأوروبية، تقضي بتعويم النظام السوري، مقابل تعهد موسكو بالضغط على النظام، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين.
وبالنسبة للنظام السوري، فإن عودة ملايين اللاجئين، من مكون طائفي أساسي – الطائفة السنية- فهي عودة غير مرحب بها، لأنها ستحدث خللاً بنيوياً فادحاً، في هندسة الخريطة الديمغرافية، من النواحي الانتخابية، والسياسية والاجتماعية والعسكرية، والتي عكف النظام السوري على تصميمها بالنار والبارود لسنوات. بعدما دفع النظام ملايين السوريين، وخصوصاً في المناطق التي تصنف بأنها لا تدين بالولاء لنظام الأسد، للهرب من بلادهم، تحت سيف القصف والاعتقال، في مشهد أشبه بالتطهير العرقي، وهو التطهير حسب الولاء. وقد علق بشار الأسد بتحفظ على التحرك الروسي، وقال إن الأفكار الروسية بهذا الخصوص هي محل نقاش بين الطرفين.
فيما تبدو طهران غير متحمسة البتة، لعودة اللاجئين السوريين، لأن بقاءهم خارج البلاد يوفر شروطاً أفضل، لتفعيل التمدد المذهبي الشيعي، ولتعزيز نفوذها الاجتماعي والسياسي في البيئة الاجتماعية الموالية للنظام.
ويشكل اللاجئون في دول الجوار السوري – تركيا، لبنان، الأردن- غالبية اللاجئين السوريين. ففي تركيا يقارب عدد اللاجئين الأربعة ملايين، وفي الأردن ولبنان، يقترب العدد في كل منهما من مليون، ليصل المجموع في الثلاثة قرابة ستة ملايين نسمة.
وأصبحت تركيا التي فتحت ذراعيها للمهاجرين السوريين، في بداية الثورة السورية، الدولة الأكثر حماسة للتخلص من ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ على أراضيها، بدليل ضغطها على المجتمع الدولي لانتزاع قرار بإقامة مناطق آمنة داخل الحدود السورية، لاسترداد قسم كبير من اللاجئين، مع انتقاء خيرة اللاجئين من رجال الأعمال والنخب العلمية لدمجهم في المجتمع التركي.
وفي الجوار اللبناني، هناك تزامن فاقع وفاضح، بين تعافي نظام بشار الأسد في سورية ومحاولات عودة سورية الأسد إلى لبنان. تطبيقاً لقاعدة تاريخية معروفة لدى البلدين منذ الأسد الأب إلى الأسد الابن، وهي: أن الأسد لا يحكم سورية إلا بمقدار تحكمه برقبة لبنان.
وأول مسارات هذا الرجوع، ملف النازحين السوريين في لبنان الذي يستغله رجالات الأسد اللبنانيون، لفرض التطبيع بين بيروت ودمشق الأسد، ما حدا برئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إلى إيجاد إطار لبناني - روسي مشترك لمعالجة الملف، تهرباً من إطار حكومي لبناني - وحكومي سوري يضغط باتجاهه خصومه. وهو ما يعني اعتراف الحريري والتيار السيادي في لبنان، بشرعية نظام بشار الأسد.
ولا يصعب تحديد أهداف موسكو من تحريك ملف اللاجئين السوريين ومنحه اليوم أولوية شبه مطلقة. تبدأ باستثمار هذه المأساة الإنسانية لتمرير تفاهمات سياسية تساعد في تثبيت مواقع النظام السوري دولياً، وطي مطلب تغييره، وحض دول الجوار على التعاون والتطبيع مع دمشق لتخفيف أعباء اللجوء على أراضيها، وخاصة لبنان والأردن.
ومثلما طغى لدى السوريين الإحساس بوجود تواطؤ دولي ضد ثورتهم منذ بداياتها، عنوانه رفض التغيير السياسي وتمكين النظام. كذلك يطغى اليوم إحساس مماثل بأن ثمة تواطؤاً دولياً وإقليمياً، للتنصل من المسؤولية الإنسانية تجاه ملايين اللاجئين السوريين وتوسل شتى أساليب الضغط، لوضعهم أمام خيار وحيد هو العودة إلى بلادهم، من دون تحقيق حد أدنى من الانتقال السياسي، ومن دون ضمانات أمنية حقيقية تحميهم من سطوة النظام، والشبيحة، والمليشيات الطائفية. ويضيف الواقع الميداني صعوبات لعودة اللاجئين، حيث أن أغلب المناطق التي ستتم العودة إليها مناطق مدمرة كلياً أو بشكل كبير، ما يعني عدم جاهزيتها لاستقبال العائدين لا في الإسكان ولا في البنى التحتية، بعد الدمار الذي طال المرافق الصحية والتعليم والكهرباء.
بالمقابل، يبدو أن الموقف الدولي ما زال متماسكاً في مواجهة السياسة الروسية، حيث لا تبدي أي جهة دولية فاعلة استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سورية، وترفض تلزيم الكرملين المجتمعَ الدولي بهذه المهمة الجبارة، إذا لم تكن هناك عملية سياسية جادة، تضمن انتقالاً سياسياً شاملاً وانتخابات تشريعية تحت إشراف الأمم المتحدة. وقد أكد السفير الفرنسي في مجلس الأمن، بأن الدول الغربية ترفض المساهمة في إعادة الإعمار، ما لم تحصل عملية انتقال سياسي حقيقية في سورية.
ووضعت الأمم المتحدة، ومفوضية شؤون اللاجئين 20 شرطاً لا بد من تحققها قبل أن توافق على التعاون مع الدول المعنية بتنظيم عودة اللاجئين. 
أبرز وأهم هذه الشروط أن تكون العودة طوعية من دون إكراه، تضاف إلى ذلك شروط تتعلق بتأمين الاحتياجات الأمنية والمعيشية للسكان العائدين، وتوفير الحد الأدنى من معايير الحياة الكريمة في مجالات الصحة والتعليم والسكن اللائق.
 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024