الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حول استحقاق المجلس الوطني

نشر بتاريخ: 2017-08-29 الساعة: 09:14

بقلم عاطف أبو سيف- هل ثمة حاجة لعقد المجلس الوطني؟ يبدو السؤال كأن المجلس يعقد للمرة الأولى، أو كأنه لم يعقد قبل ذلك، وهناك بدعة يراد اجتراحها من عقم الواقع. وهذا أيضاً ليس صحيحاً. فالحاجة لعقد المجلس الوطني ليست حاجة بالمعني الحرفي للكلمة ولا هي تشير بأي حالة إلى وجود ازمة، بل هي نابعة من أن الوضع الطبيعي هو ان يعقد المجلس كلما توفرت فرصة لذلك حتى يتحاور ممثلو الشعب فيما بينهم في مصلحة الشعب العامة. الوضع الطبيعي أن الحياة السياسية لا يمكن أن تقف عند حاجز الإنقسام. صحيح أن الإنقسام أكل وشرب من مستقبلنا، وقتل ما تبقى من أمل في نفوس شبابنا، وأجهز على أحلامنا كما مازال ينخر مثل سوسة فينا ومثل فيروس قاتل في عضدنا، وصحيح أن هذا الشيء المسمى الإنقسام بات أكثر هيمنة على حياتنا من مقدرتنا على التحمل بل بات ينافس الاحتلال في ذلك، لكن رغم ذلك لا يمكن للحياة أن تتوقف عند ذلك، ولا يمكن تعطيل ما تبقى لدينا من قدرة على الاستمرار رغماً عنه، ولا يمكن أن نقتل أفراخ الامل المتبقية في أعشاشنا، ولا يمكن لنا أن نظل وافقين في المحطة معتقدين أن القطار مضى ولن يذهب. 
وعليه فإن عقد المجلس الوطني يبدو حاجة وطنية ، وتعطيل عقده هدم في صرح الوحدة الوطنية وتعطيل لمصالح الشعب ومساهمة في تأخر مشروعه الوطني. ولا يجب ربط ذلك برغبات جانبية ومواقف حزبية ضيقة. بل يجب المضي قدماً في الترتيات لعقده. الغريب أن الكثيرين يحاولون أن يربطوا عقد المجلس بالإنقسام، مطالبين بالانتظار حتى يتم انجاز الوحدة وتجسيدها قبل عقد المجلس حتى تتمكن «حماس» و»الجهاد» من المشاركة في المجلس. وهذا أمر هام، ويجب العمل على ضم حماس والجهاد إلى المجلس لما تمثلانه من ثقل في الشارع الفلسطيني. وهذا حق مكفول لكل الفصائل على أساس اجراء الانتخابات حيث أمكن والتوافق حيث تعذر. وعليه يجب العمل على شمل كل التنظيمات في المجلس. ليس فقط التنظيمات حيث إن بعض التجمعات الفلسطينية – مثل تلك في أميركا اللاتينية وربما أوروبا- يكون التمثيل فيها ليس على أساس فصائلي بل ضمن ترتيبات مجتمعية وتكوينات فرعية تحل مكان التنظيمات والأحزاب. وهذا سؤال آخر. 
ولكن هذا لا ينفي السؤال الأساسي: ماذا لو لم توافق حماس والجهاد على دخول المجلس؟ ألم تبذل جهوداً مماثلة لشمل حماس تحديداً منذ لقاءات السودان 1996 ولم تنجح. الأساس أن يصار إلى مواصلة ترتيبات عقد المجلس ويتم عقده من أجل الحفاظ على مؤسسات الشعب الفلسطيني التي حققها بالدم وبالكفاح المرير، ومن أجل تجديد الشرعيات لأن النضال التحرري الفلسطيني يجب أن يظل قائماً على الشرعية الوطنية المكتسبة من النضال ومن الشعب. وفي اللحظة التي تقرر فيها حماس حين تسمح ظروفها الداخلية وتحالفاتها الخارجية، أن تلتحق بالمجلس مثلما فعلت حين سمحت مصالحها بالالتحاق بالسلطة في انتخابات 2006، يصار إلى إجراء ترتيبات جديدة لعقد مجلس وطني جديد. بمعني أن عقد المجلس الآن لا يعني عدم عقده لاحقاً. لكن لا يمكن أن نوقف التاريخ، ونعرقل مسيرة البناء والتطوير والتجديد حتى يمر عقد آخر من الإنقسام، ونحن نقف في نفس المكان في المحطة. وعليه فإن عقد المجلس الآن يجب أن يكون محفزاً لتسريع المصالحة والضغط من أجل إنجازها. فالقصة لا علاقة لها بتعطل المصالحة، بل في ضرورة أن تستمر المؤسسة السياسية في العمل الصحيح، لأن تعطيل عقد المجلس ليس إلا نتيجة أخرى من كوارث الإنقسام، وهو ما لا يجب أن يتم السماح به. وبموازاة ذلك يجب أن تتواصل الجهود وتطرق كل الأبواب من اجل لم الشمل وتحقيق المصالحة، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني والمؤسسة الفلسطينية بما في ذلك المجلس الوطني.
والباحثون عن اهمية الحدث إنما يريدون أن يشككوا في شرعية المؤسسة التي نجحت في حماية الشعب الفلسطيني من الإندثار ومن التحول إلى مجرد مجموعات من ضحايا إعتداءات العرب على إسرائيل كما ارادت الماكينة الإعلامية الصهيونية أن تصور ما حدث عام 1948. من يبحثون عن التشكيك في عقد المجلس وفي أهميته يريدون ان يختصروا هذا التاريخ المرير من المأساة والمعاناة التي رافقها النهوض والنضال في سبيل تثبيت الهوية الوطنية وترجمتها إلى مؤسسات جامعة تعكس رغبة الشعب في أن لا يكون مجرد أفراد بل جماعة تتمتع بمزايا مشتركة وتناضل من أجل هدف مشترك، تسعى إلى تحقيقه. من هنا فإن السؤال يتجاوز الأهمية إلى محاولة نفي التاريخ ونفي كل ما رافق هذا التاريخ من نضال وتضيحات، وقبل ذلك ومعه وبعده، من معاناة وآلام.
وعليه فإن القصة ليست أن يعقد المجلس أو لا يعقد، القصة الحقيقية تكمن في من يحاول أن يقوض هذه المنجزات، كأن التاريخ بدأ من حيث بدأ هو. مثل من يلتحق بالركب متأخراً ويحاول أن يزعم أن لا ثمة طريق قبل أن تطأ قدمه غير المغبرة الطريق. تذكرون كيف تم في الماضي تحريم المشاركة في انتخابات 1996 للمجلس التشريعي، ولعل بعض طرقات مدينة غزة مازال حتى اليوم يحمل شعارات هذا التحريم، وتذكرون كيف امتلأت الجدران ذاتها بالدعوة للمشاركة الفاعلة في انتخابات 2006 بل واعتبار عدم المشاركة خيانة للامانة. عموماً هذا نقاش آخر، لكنه يعكس بطبيعة الحال كيف يتم صوغ المقولات حتى تناسب المصالح. فالمصلحة هي التي تصوغ الفكرة التي بدورها تبحث عن العبارات المناسبة من أجل أن تكشف عن وجهها المتغير. وفيما يجب أن تكون الفكرة يجب هي الأساس فإن العقل يصبح منساقاً من قرنيه نحو الغايات والمصالح الآنية التي لا تخرج عن كونها حمامة الساحر التي يخرجها من قبعة الظروف والسياقات. ولا أساس في كل ذلك للشيء الذي أسمه الوطن الضحية الكبرى في كل مؤامرات الجدل والنقاش، لأن أكثر الناس جنوناً في أضيق شارع في مدينة غزة يمكن له أن يوجز لك الحل للخروج من الأزمة.
لكن كما قال الشاعر:
لا يخدعنك هتاف القوم في الوطــن فالقوم في السر غير القوم في العلن.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024