الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الضربة الثلاثية دون زيادة أو نقصان

نشر بتاريخ: 2018-04-17 الساعة: 11:18

عبير بشير في خمسين دقيقة، أنهت قاذفات بي واحد الأميركية، وطائرتان فرنسيتان من نوع رافال، بالإضافة إلى أربع طائرات بريطانية من نوع «تورنيدوجي آر، مزودة بصواريخ ستورم شادو، بالتعاون مع فرقاطة أميركية موجودة في البحر الأحمر، مهمة تدمير مركز للبحوث العلمية واختبار التكنولوجيا الكيميائية في حي برزة الدمشقي، ومستودعين مرتبطين ببرنامج السلاح الكيماوي، وبعض المخازن السرية لتخزين غاز السيارين، ليعلن الرئيس الأميركي مع انتشار الصور الأولى للعملية انتهاءها بتحقيق أهدافها كاملة دون أي خسائر، وقال ترامب في خطاب قصير: إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى «وجود لأجل غير مسمى في سورية بأي حال»، في إشارة واضحة إلى تصريحات أعلن فيها نيته الانسحاب من سورية. وأوضح أن «الهدف من تحركاتنا الليلة هو ترسيخ ردع قوي ضد إنتاج أسلحة كيماوية ونشرها واستخدامها». 
وبعد مرور أيام قليلة على الضربة الثلاثية التي شاركت فيها الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، تكون صورة المشهد العسكري والسياسي قد تم تظهيره، ذلك لأن محدودية حجم الضربة ومدتها وطبيعة المواقع التي استهدفتها، تعني أن ما حصل يتعلق بحسابات الدول الثلاث التي شاركت في العملية، وبالأخص الولايات المتحدة، دون زيادة أو نقصان، أو اجتهادات أخرى، أو تحميل الضربة أكثر مما تحتمل من جمل أو أوصاف بلاغية. 
وبمعنى أوضح، فإن الضربة أريد لها أن تستهدف المخزون الكيميائي لدى النظام السوري، وليس ضرب أو تدمير قوات النظام العسكرية أو منصات صواريخه، أو قواعده الجوية، بهدف إسقاط النظام السوري، أو خلخلة موازين القوى في الساحة السورية، والضربة أيضاً ليست جزءاً من إستراتيجية سياسية أميركية تجاه تغيير الوضع السوري، ولا علاقة لها بنصرة الشعب السوري، ولا حتى بالرئيس السوري الذي يقال: إنه قبيل الضربة ترك القصر الرئاسي إلى قاعدة حميميم الروسية ليحتمي بها. 
فلم يحدث أن قرر الأميركيون يوماً إنهاء النظام السوري، أو توجيه ضربات لبنيته العسكرية لإضعافه والقضاء عليه ولو تدريجياً. فطيلة الحرب السورية التي انطلقت بداية بتظاهرات شعبية مطالبة بتغيير النظام، تعاملت الولايات المتحدة مع الأزمة السورية من موقع الحفاظ على توازنات تسمح لها بالتلاعب ثم التدخل لحفظ مصالحها، وإنهاك جميع الفرقاء على الساحة السورية. وقد جاءت الضربات الأميركية والبريطانية والفرنسية الأخيرة لحفظ ماء الوجه، بعدما استخدم النظام السوري أسلحة كيميائية في دوما، عبر استهداف مواقع لا تؤثر في بنية النظام ولا تشل قدراته العسكرية، ولا تغير في التوازنات التي تبلورت مع التدخل الروسي والإيراني؛ لأنه بكل بساطة لم تعد سورية، بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية، أكثر من ساحة للصراع بين الكبار والصغار. 
كل فعل هناك، وكل خطوة، وكل ضربة لأهداف لا علاقة لغالبيتها بسورية، ولا بمصالح الشعب السوري. حتى الضربة الأخيرة استخدمت سورية كساحة، لكن هدفها هو روسيا وما تفعله في سورية وخارج سورية. وخرج معظم الأطراف راضياً بعد المسرحية المعدة والمنسقة سلفاً - الضربة - والتي تم فيها كسر عنصر المفاجأة والمباغتة. 
فالصواريخ اتجهت إلى مواقع تم إخلاؤها، وحددت مسبقاً واتفق عليها في الاتصالات الساخنة بين واشنطن وموسكو، وكانت بعيدة عن المراكز الروسية في سورية، حيث قال قائد قاعدة حميم العسكرية في سورية الجنرال كولوف: إن روسيا غضت النظر عن الهجوم الغربي، وقمنا بإجبار أميركيا وبريطانيا وفرنسا على قصف أهداف غير عسكرية وغير مهمة لمدة خمسين دقيقة فقط، ولكن باسم القيادة الروسية والرئيس بوتين، أعلن أن روسيا لن تسمح بعد اليوم بأي ضربة ضد سورية، وسنتصدى لها بالقوة! فيما رئيسه بوتين، وصف الرد الغربي أنه عمل عدواني ضد دولة ذات سيادة تشكل رأس حربة في مكافحة الإرهاب. 
أما النظام السوري، فقد أثبت تماسكه في وجه ما وصفه بعدوان ثلاثي غاشم، واستغل الضربة إعلامياً ليروج لانتصاره، وفي واقع الأمر، فقد أطالت الضربة في عمر النظام بدلاً من تقصيره ومنحته شرعية هو في أمس الحاجة لها. واحتفى النظام السوري بطريقته بهذه المناسبة من خلال توزيع شريط للرئيس بشار الأسد – بعد الضربة - داخلاً إلى مكتبه في القصر الجمهوري حاملاً حقيبته كأنه في يوم عادي جداً. 
في المقابل، أشاد الرئيس الأميركي ترامب بضربات قال عنها: إنها نُفذت بإحكام، وليعلن أن "المهمة أُنجزت"، وأيدته في ذلك غالبية الدول الأوروبية. في حين أن مندوبته لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي قالت بعد الضربة الثلاثية: إن بلادها جمدت خطة انسحاب قواتها من سورية، حتى تحقيق جميع الأهداف المرجوة، وحددت المندوبة الأميركية ثلاثة أهداف لبلادها في سورية، وهي: ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيميائية بأي طريقة من شأنها تهديد المصالح الأميركية، هزيمة "داعش"، وضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران". 
ويرى المتابعون أن الضربة الثلاثية كانت مدروسة بعناية من أجل إبقاء الوضع تحت السيطرة وعدم السماح باندلاع حريق إقليمي، وبالتالي لا توقعات حقيقية من أن يكون هناك رد فعل انتقامي لموسكو من واشنطن. وقد ذهب لأكسي مالاشنكو، رئيس الفريق البحثي في معهد حوار الحضارات ومقره موسكو بهذا الاتجاه، فقد تحدث عن أنه لا أحد بات يسمع بأخبار الرد الروسي العسكري على الضربة الثلاثية، وأشار إلى أنه عملياً يعتقد الجميع بأن رداً انتقامياً روسيا غير ممكن، لأنه خطير جداً وقد يحمل تأثيراً معاكساً. 
على أي حال، كان يمكن أن تكون للضربة الأميركية – الفرنسية- البريطانية أهميتها في حال اندرجت في سياق إستراتيجية متكاملة تستهدف تغيير عميق بسورية مع الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ولكن ما حصل أن الضربة كانت ذات طابع تجميلي لصورتي ترامب وتيريزا ماي في واشنطن ولندن، فيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مسكون بهاجس من نوع آخر وهو الرغبة في العودة إلى الشرق الأوسط من النافذة السورية. 
إن السؤال عما سيكون بعد الضربة التي مرت بسلام، ليس صعباً الإجابة عنه، لأن ما بعدها لن يختلف عما قبلها لجهة الواقع الميداني الذي لم يتأثر بالضربة، لكن يقتضي انتظار بعض الوقت لاستكشاف مدى تأثر الدول المعنية بالمناخ الذي تركته الضربة، غير أن المعطيات التي تتراكم بعد الضربة، تعكس حقيقة أن لعبة الأمم ستمضي في استنزاف سورية وأرضها وشعبها. 
المهم هو مدى نجاح الضربة في إسقاط العديد من الأوهام عند تعريف الحلفاء والخصوم، وهل أصبح هناك وعي جمعي وفردي، بطبيعة الأخطار المحدقة بالمنطقة وكياناتها، وإدراك ديناميكيات اللعبة السياسية والمصالح الضيقة والواسعة المرتبطة بها... ومرة أخرى دون زيادة أو نقصان.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024