الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تظاهرات إيران لم تقتل النظام ولكن جرحته!

نشر بتاريخ: 2018-01-09 الساعة: 12:54

عبير بشير على مر التاريخ، كانت الثورات الأيديولوجية نارا تخبو بمرور الوقت، وبتغير المعطيات على ارض الواقع. لكن إيران تظل حالة خاصة، إذ أدت حربها الطاحنة مع جارتها  العراق إلى اصطفاف قومي مهول خلف شعارات الثورة الخمينية، ثم جاء الحصار الاقتصادي الأمريكي والغربي الخانق ليزيد من تكتل  الجماهير الإيرانية خلف الثورة وأهدافها ويرفع شعار" الموت لأمريكا" إلى عنان السماء. ورغم التآكل الواضح لجيل الثورة الإسلامية، وجريان مياه كثيرة تحت الجسر إلا أن الإيرانيين بقوا على ولائهم الفردي والجمعي للثورة الخمينية. ويجدر الاعتراف بأن الإيرانيين غيروا المنطقة منذ  ألف وتسعمائة وتسعة وسبعون ،كانت الثورة استحضاراً للدين في الصراع السياسي. ولكن تبدو تظاهرات الأيام الماضية في إيران لأجل الاستقلال بين الدين والسلطة. فالإيرانيين أرادوا تغيير المعادلة مرة أخرى، فكما انتزعوا الدين من السلطة وجعلوه إلى جانب المحرومين والمهشمين، يبدو أنهم يريدون اليوم أن يجعلوه محايداً ليس بيد أحد.

 

غير أنه من الصعب إلباس ما حصل في إيران ثوب الانتفاضة الشعبية، رغم تعرض نظام الملالي لمسيرات احتجاج بدأت في معاقل القومية الفارسية في العمق الإيراني، من مشهد وشيراز وأصفهان وشهركره وكرمن شاه وحمدان وقزوين قبل أن تبلغ العاصمة طهران بعد ثلاثة أيام، وليس في مواطن العرب والكرد والآذريين أو البلوش واللوريستانيين. وارتفعت فيها الهتافات ضد الفساد والركود الاقتصادي وغلاء الأسعار ووضعت المحافظين والإصلاحيين في سلّة واحدة، واستهدفت شعارات التنديد لأول مرة المرشد علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني وقادة الحرس الثوري. حيث طالب المحتجون بوقف هدر الثروات الإيرانية على تمويل الأنصار والأتباع في سوريا والعراق واليمن ولبنان، في حين يعاني الشعب من مشكلات البطالة والغلاء والفقر. وحيث يعيش خمسة وثلاثين بالمائة من سكان إيران تحت خط الفقر، بينما يتسكع في شوارع مدنها أربعة ملايين شاب عاطل من العمل.

وتميز الحراك الشعبي الراهن عن نظيره في ألفين وتسعة بأنه حراك اجتماعي ومطلبي بكل معنى الكلمة تحرك كجسد من دون رأس مدبر، فلم يكن هناك قيادة مركزية للمظاهرات، ولا جهة تتبناها، أفرادها مواطنون عاديون ليسوا محسوبين على أي من التيارات، شرائح اجتماعية لم تكن محوراً للتغيير السياسي أبداً. واندلعت المظاهرات استياءً من الأوضاع الاقتصادية،حيث فجرت السياسات الاقتصادية المظاهرات الشعبية ،ففي بلد ينتج أربعة ملايين برميل من النفط يومياً، ويملك الغاز وموارد طبيعية ضخمة، ليس مقبولاً أن يعترف برويز فتّاح، رئيس لجنة الخميني للإغاثة الحكومية، عشية المظاهرات،بأن الفقر يصيب أربعين مليون إيراني، وأن أحد عشر مليوناً منهم يعيشون في مناطق مهمّشة وفي مدن الصفيح. غير أن الحراك الشعبي سرعان ما تحول للتعبير عن الاستياء من السياسة الخارجية ومن النظام نفسه، وتخلله شعارات سياسية واضحة، وتكشف الشعارات المرفوعة في التظاهرات عن طبيعة الحراك، فعلى سبيل المثال: «اترك سورية وفكر بحالنا... الشعب أصبح متسولاً»، «لا غزة ولا لبنان، حياتي فدى إيران». ولعل أكثر ما لفت النظر في هذه المظاهرات هي قدرة المتظاهرين على الخروج بهذه الأعداد الضخمة، رغم أن بلادهم تحجب أكبر وأهم مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» .

فيما حراك عام  ألفين وتسعة، كان صراعا داخل الطبقة الحاكمة الإيرانية بعد اتهامات للمرشد ومن معه بتزوير الانتخابات الرئاسية وإسقاط مير حسين موسوي. يومذاك نجح حسين موسوي ومهدي كروبي في إخراج مليون شاب الى الشارع، تحت شعار «الثورة الخضراء .

لم يختلف النظام الإيراني في تفسيره لحـــراك الناس عن تفسير أنظمة المنطقة لحراك الناس في مدنها، حيث وصف قادة طهران ما يجري بأعمال عبث وفوضى يرتكبـــها خارجــون عـــن القانون، ولم ينسوا بالطبع اتهام عملاء الولايات المتحدة بإثارة الأقليات التي يتألف منها النسيج الاجتماعي الإيراني. واكتفى المرشد علي خامنئي بالقول إن أعداء إيران هم من يقفون وراء المؤامرة. قبل أن تقوم وحدات البسيج بعرض عضلاتها في الوقت المناسب على الشعب الإيراني.  وإعلان قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، نهاية ما وصفه بالمؤامرة على الثورة.

 

الرئيس حسن روحاني ترك وحيداً في مواجهة حالة السخط الشعبي. وقد أظهر ارتباكا واضحا في كيفية التعاطي معها، حيث التزمت حكومته الصمت تارة وغازلت المحتجين تارة أخرى. وكان الرئيس روحاني،  يعرف منذ البداية  أن إقحامه في الشعارات وحملة التنديد، كان جزءاً من محاولة الانقلاب عليه وشطبه من عملية خلافة المرشد، إلى جانب محاصرته وإضعاف قراره في الإصلاح. وعلى كل حال فإن عملية إعادة انتخابه لولاية ثانية داخل منظومة الديمقراطية الشعبية ،لم تتجاوز السقوف المرسومة بعناية فائقة داخل سجادة النظام الإيراني رغم ضراوة التنافس بين التيار الإصلاحي والتيار المحافظ، حيث أنه صراع يرتبط بمنظومة إنتاج السلطة في إيران داخل هذه السلطة ومؤسساتها وليس من خارجها، وهو لم يشكل فرزاً لطبيعة ومستقبل التحرك الإيراني في منطقة الشرق الأوسط لأنه ببساطة هناك تواطؤ شبه كامل بين الرئاسة الإيرانية والنظام الإيراني فيما يتعلق بطموحات إيران التوسعية خارج موقعها الجغرافي. وهناك توافق بين أركان منظومة السلطة على أن تصبح إيران إمبراطورية أكبر من الهلال الشيعي مع توزيع للأدوار واختلاف للتكتيكات.

وصلت الرسالة الشعبية الإيرانية واخترقت جدران الصمت، الاحتجاجات لم تقتل النظام ولكن جرحته .وحقيقة أن النظام في طهران عميق ومتماسك وقوي في هياكله وأجهزته وبنيته، ويمثل شريحة متمكنة ليس سهلاً إزاحتها من خلال المظاهرات. لا يعني  أن النظام الإيراني يتقدم بخطى حثيثة على طريق الاتحاد السوفيتي الذي ربح الفضاء وخسر الأرض. والمفارقة  بأن نموذج الإتحاد السوفيتي – اللاديني- يكاد يتكرر في إيران – الدينية، بحيث تكون الأولوية للتوسع للأدوار لخارجية والبرامج الصاروخية وبناء الأذرع العسكرية والأمنية الضاربة وشعارات تصدير الثورة على حساب مقومات الرخاء وبناء الاقتصاد الوطني ورفاهية المواطن ومستقبله.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024