الرئيسة/  مقالات وتحليلات

الخروج من ضبابية الحاضر إلى وضوح التاريخ

نشر بتاريخ: 2024-03-23 الساعة: 07:07

 

باسم برهوم


هناك وقت وجهد كبير يتم هدره على فهم وتحليل التناقضات والخلافات بين الإدارة الاميركية والحكومة الإسرائيلية، بين بايدن ونتنياهو، وعلى فهم التناقضات والخلافات الداخلية في إسرائيل ذاتها. والملاحظ انه ليس العامة من يبالغ في مضغ ولوك الاخبار المتعلقة بهذه التناقضات، ولكن ايضا المعلقين والمحللين السياسيين، بالاضافة الى عدد لا بأس به من القادة السياسيين، على سبيل المثال خطابات نصر الله، وخاصة خطابه الاخير هو عبارة عن نشرة اخبار من الصحافة الإسرائيلية. بالطبع لكل من هؤلاء اسبابه واهدافه، الناس العاديون يبحثون عن امل بين سطور اخبار التناقضات، ومحللي شاشات التلفزة، فهذه مهنتهم، التي في اغلبها تدخل في لعبة القنوات من حيث اجنداتها او انها بحاجة لمن يملأ ساعات البث الطويلة. ان القادة السياسيين من العرب والعجم ومن حولهم فهم بالأساس اما يريدون تغطية غياب فعلهم، او انهم يبيعون للجمهور وهم صناعة النصر عبر التركيز على التناقضات لعلها تكون من يوقف الحرب، وبعدها يسارعون لاعلان نصر لم يصنعوه بذراعهم.
 وقبل ان نذهب لوضوح التاريخ؛  لفهم الحاضر وما يلفه من ضباب، لا بد من تأكيد اهمية كبيرة لمن يعمل بالسياسة والاعلام، وحتى الانسان العادي، ان يلاحظ التناقضات والخلافات والاختلافات بين الأطراف التي تقف في الخندق المعادي، بالنسبة للسياسيين هذا امر من اجل استخدام هذه التناقضات وبناء المواقف والسياسات التكتيكية، والعمل بمهارة وذكاء من اجل تعميقها بقدر ما يكون ذاك مفيدا، في الحالة الفلسطينية ان تقود فعلا لوقف الحرب.
هناك حاجة لمعرفة طبيعة العلاقة بين الصهيونية كفكرة ومشروع والامبريالية في الحقبة التاريخية التي تأسست فيها الصهيونية وتبلورت، وقبل كل شيء ربما علينا ان نتذكر ان الصهيونية ذاتها هي منتج اوروبي، بمعنى ان هذه الحركة ورغم انها تأسست بهدف ايجاد حل للمسألة اليهودية التي استفحلت في اوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وانها حملت نفس المزايا الفكرية المنتشرة هناك، العلمانية، والقومية والعرق، وإحياء او انشاء قومية وشعب عبر العودة للتاريخ واللغة والدين، في وقت تفشت فيه النظريات العنصرية للعرق النقي.
قبل عشر سنوات صدر في إسرائيل كتاب في غاية الاهمية عنوانه "الصهيونية والامبراطوريات" والفكرة الرئيس للكتاب هي ان الحركة الصهيونية الوليدة في نهاية القرن التاسع عشر  كانت تدرك ان أهدافها لا يمكن ان تتحقق الا من خلال تبني احدى الإمبراطوريات الكبرى لها، وبالمقابل اكتشفت الامبرياليات اهمية الصهيونية في تحقيق اطماعها في الشرق، فالتحالف هو تحالف عضوي يكاد لا ينفصل. وإسرائيل بعد تأسيسها كانت تدرك انها لن تبقى في الشرق الأوسط دون تحالف قوي، او حتى رعاية تامة من دولة عظمى صاحبة القرار الاقوى على الساحة الدولية، بالمقابل ترى الولايات المتحدة والغرب واوروبا عموما ان إسرائيل من الناحية الثقافية هي اصل وجذر حضارتها، وانها تمثل القلعة في خط المواجهة الاول مع هذا الشرق المختلف او الذي يمثل الاخر.
زعيم التيار التصحيحي اليميني في الحركة الصهيونية جابوتنسكي قال مخاطبا اوروبا "إسرائيل ستكون امتدادكم الطبيعي، انها قلعتكم الأمامية". هناك بعد ثقافي وحضاري، وبعد بنيوي واستشراقي، بالاضافة الى الحاجة الدائمة لحل المسألة اليهودية عبر وجود دولة إسرائيل، والحاجات اللاهوتية المتعلقة بالمسيحية الصهيونية، وارتباط الوجود اليهودي في فلسطين للتحضير لمجيء المسيح المنتظر.
هناك خلافات وفوراق وهي بالتأكيد موجودة، لكنها لن تصل الى درجة التخلي عن إسرائيل وضمان امنها وتفوقها على جيرانها، من هنا لم تنجح حتى الان الجهود لوقف الحرب، فالعلاقة  بين إسرائيل والدول الامبريالية علاقة عضوية، والفوارق والاختلافات ما هي إلا خلافات سياسية وفكرية داخل الحالة الامبريالية ذاتها، بمعنى كما هي الاختلافات ببين الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة، او بين معسكر غانتس- لابيد من جهة والليكود والصهيونية الدينية في إسرائيل. والخلاف له اعتبارات وتفاصيل معقدة تحتاج الى مقال مختلف، ولكن احد اسباب الخلاف هو سمعة إسرائيل الاخلاقية، وكونها دولة ديمقراطية. فهذان الاعتباران قد سقطا تماما في حرب الابادة البشعة والوحشية في قطاع غزة.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024