الرئيسة/  مقالات وتحليلات

صبر جميل والله المستعان

نشر بتاريخ: 2017-10-24 الساعة: 08:54

عماد الأصفر خلال دردشة قصيرة مع مسؤول زار غزة للمرة الاولى في حياته ضمن وفد المصالحة، قال لي التالي: جلسنا مع كوادر فتح، كانوا غاضبين من الرئيس بسبب اجراءاته الاخيرة التي مستهم قبل ان تمس غيرهم، قلت لهم: لولا هذه الاجراءات ما كنا اليوم هنا. فصمتوا غاضبين ومحتارين.

صمتوا مقتنعين ولكن بالطبع غير راضين، مثلهم مثلنا محتارين وغاضبين ولكن لا نعرف على من نغضب اكثر;  أنغضب على الرئيس لأنه اجل هذه الاجراءات التي سرعت طريق التصالح؟، ام نغضب على حماس التي اقتنعت متأخرا جدا بما كانت ترفضه؟.

المسؤول الذي اتحدث عنه قال بصراحة انه رفض ان يأكل السمك، لسببين; الاول لأنه قرأ تعليقات ساخرة حول اقبال الوفد على اكل السمك، والثاني انه شاهد حجم التلوث الخطير لشواطئ غزة بمياه المجاري.

شعر حقيقة بما يعنيه انقطاع الكهرباء فالمسألة ليست وصلا للتيار لمدة اربع ساعات، بل انقطاع للتيار مدة عشرين ساعة. والمسألة في كثير من تفاصيلها الدقيقة والمعقدة ليست اعقد من مسألة الشعور بالمواطنة المتساوية والكرامة الجمعية والحاجة الى التغلب على مشاعر النبذ التي تولدت في نفوس كثيرين.

اصدقكم القول، خلق هذا الشعور بالنبذ ممارسة فلسطينية اصيلة، سمعت قصصا عن شماتة بعض المواطنين باللاجئين بعد النكبة، وقصصا عن ثأر  بعض اللاجئين وشماتتهم بالمواطنين الذين نزحوا بعد النكسة، وعايشت التحقير الذي مارسه بعض الفلسطينيين على الناجين من الكويت بعد حرب الخليج، وبكيت من سوء معاملة وتحقير بعض المواطنين للعائدين بعد قدوم السلطة، وكنت شاهدا على شعور اهل الضفة بالخذلان عندما كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يطيل المكوث بغزة او يسند حقائب مهمة لأبنائها، ذات الشعور موجود بين اهل جنوب الضفة وشمالها ووسطها. وبين المخيمات والمدن وبين المدن والقرى.

كثيرون سيحملون عليّ بسبب هذا الكلام، وسينكرونه، والقلة القليلة التي قد تراه حقيقيا ستقول هذا ليس وقته وينبغي التغاضي عنه وعدم الاضاءة عليه، هل عليّ تذكيركم بان ما يترك في الظلام ينمو بعيدا عن اعيننا، كالسرطان، نفاجأ به بعد ان يستفحل، هل عليّ تذكيركم بان الحديث صراحة عن المصطلحين الشائنين; "تسحيج" و " تايلندي" ادى الى انحسارهما من صفحات الفيسبوك  ومن احاديث العامة.  

هذا المسؤول وغيره خرج بانطباعات تعزز حاجتنا للوحدة، وشعر كغيره بالتقزم ازاء حجم الآمال والطموحات التي يعلقها الناس على هذه المصالحة، لمس تغييرا في نبرة واحاديث قادة حماس، وشاهد عن قرب مقدار انضباط عناصرها لقياداتهم، ولكنه وكغيره ايضا لم يلمس جدية تسند هذا التغير وتؤهله لمصالحة راسخة لا تقضي على نتائج الانقسام فقط بل على اسبابه ايضا.

مقدار الانضباط لدى افراد وقيادات حماس يثير اعجاب وحسد الفتحاويين دائما، ولكنهم يقرأون فيه غير ما يقرأه المتابع العادي، هذا السياق يقود الى اعتبار ان ما يصدر من هنا وهناك من تصريحات حمساوية شاذة ليس خروجا عن الانضباط، وانما توزيع للأدوار وتلويح بالبدائل، ان لم نقل تهديد باللجوء اليها، حيث عاد الى الواجهة مؤخرا الحديث عن العلاقة مع قطر حينا، ومع ايران احيانا اخرى، موقف ايران نراه مجسدا في تصريحات قادة الجهاد الاسلامي.

وضع كل الملفات على الطاولة والحديث حولها بصراحة، ليس بين المسؤولين فقط، وانما مع افراد الشعب ايضا، يمكنه ان يؤسس لمصالحة راسخة تدوم. هذه الصراحة لا ينبغي ان تقود الى يأس واحباط وستظل دوما بحاجة الى اسناد معنوي شعبي، للأسف كان يجري تمويل الانقسام بالمال رسميا من عدة جهات وكان يجري تعزيزه وتكريسه شعبيا بسوء نية حينا وبحسن نية احيانا اخرى، واما المصالحة فإنها للأسف لا تجد من يمولها، وما زال دعمها شعبيا مشوبا بالتشكيك في النوايا والتحذير منها اكثر من التفاؤل بها، وما زال التعامل مع اخبارها مستندا في احيان كثيرة الى اشاعات او معلومات مضللة او تصريحات غير رسمية او تحليلات بوليسية رغائبية تستند الى نظرية المؤامرة، وهي نظرية لا يبرع فيها الا المتآمرون انفسهم.

في هذا الاطار يتمسك البعض بتلابيب ما اسموه "صفقة القرن" ويستخدمونها جميعا كفزاعة، كل واحد لحسابه الخاص ولمخاوفه التي يريد اشاعتها، لو قلت لكم انه لا وجود لصفقة قرن، لطالبتموني بالدليل، طيب، لماذا لا اطالبكم انا بدليل على وجودها، انا انكر وجود هذه الصفقة وما عليّ الا اليمين، وانتم تدعون وجودها وعليكم البينة.

ومع ذلك، تحدثوا ما شئتم عن القرن وصفقته، ولكن ليس من منظور انها قضاء لا راد له، عبد الناصر بجلالة قدره لم يستطع تنفيذ مشروع توطين اللاجئين في سيناء ايام مجده، هل سيستطيع غيره ذلك بدون مجد وجلالة قدر.  وماذا عن الفلسطيني حين يستخدم سلاحه النووي وتناحته يقول : لا؟!.

واضح ان لا بديل عن نجاح هذه المصالحة الا انحطاط طرفيها الى قعر الهاوية الذي نجاهد منذ زمن للابتعاد عنه، وواضح ايضا ان المتربصين بلحظة انهيارها والساعين له موجودون بقوة، وواضح كذلك ان مصالحة راسخة تدوم تحتاج الى القضاء على النواتج والاسباب، وهذا يتطلب جهدا ووقتا وتزامنا في التراجعات والتنازلات، تزامنا يقضي على كل الشكوك في النوايا، شكوك كل طرف في نوايا الآخر، وصبرا جميلا والله المستعان.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024