الرئيسة

مصنع التلباني بغزة.. صمود رغم الحروب والحصار

نشر بتاريخ: 2017-10-17 الساعة: 10:57

غزة- وفا- سجلت السنوات العشر المُنصرمة، وهي سنوات الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، بأنها الأصعب في حياة رجل الأعمال محمد التلباني المهنيّة.

ورصدت معاناة هذه السنين من خلال قصّة مصنعه الخاص بصناعة الحلويات والبوظة في ظل الإغلاق الإسرائيلي، الحروب والتقييدات الصارمة المفروضة على تنقّل الفلسطينيين، والتي تم عرضها خلال فيلم قصير حول الطموحات والعوائق التي تعترض طريقها.

سرد الفيلم وهو كرتوني قصير، حمل عنوان "مملكة الحلويات في غزة"، وهو من انتاج جمعية "چيشاه– مسلك"، (مركز للدفاع عن حريّة التنقل– هي مؤسسة حقوق إنسان إسرائيلية)، المعاناة إثر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.

وفي مركز الفيلم تقف نور، البالغة من العمر عشرة أعوام من قطاع غزة، التي تحظى بفرصة نادرة لجولة في مصنع الحلويات الساحر، برفقة صاحب المصنع محمد التلباني، وتُفاجأ نور عندما تعلم أن التلباني قرر إهداءها المصنع، لكن فرحتها تتلاشى خلال الجولة في المملكة، عندما تدرك مدى الجهود الجبارة المطلوبة للتغلب على التقييدات التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة والتنقل لسكان القطاع، ومن ضمنهم مبادرون منتجون مثل التلباني، مع ذلك، الطفلة وصاحب المصنع مصممان ألا يفقدا الأمل وأن يحافظا على الحلم بمستقبل جميل.

والمتتبع لأحداث الفيلم، يلمس أن الطفلة نور، شخصية الفيلم المُصوَّر، هي شخصية خيالية، لكن محمد التلباني، صاحب مصنع الحلويات، هو شخصية حقيقية تمامًا، وهو صناعي رائد في الاقتصاد الفلسطيني. تنعكس في تاريخ حياته الأحداث التي بَلورَت شكل هذه المنطقة خلال العقود السبعة الماضية.

ولد التلباني في العام 1952 في مخيم المغازي للاجئين في قطاع غزة، وهو ابن لعائلة تنحدر من المنطقة التي بُنيت على أراضيها اليوم مستوطنة نتيـ?ـوت. وكانا والداه قد وصلا إلى غزّة لاجئان في العام 1948. وبعد الحرب عام 1967، وفتح الحدود مع إسرائيل في سنوات السبعينيات، خرج التلباني، حاله كحال عشرات آلاف الشبان من غزّة للعمل في إسرائيل. في العام 1977 استخدم توفيرات جمعها من عمله كعامل بناء، ولاحقًا كمُقاول، لكي يُنشئ مَعملًا منزليًا للحلويات، لم يكن ينتج آنذاك أكثر من بضعة صواني وصحون مليئة بالسكاكر، قاموا بتغليفها وبيعها للحوانيت في غزّة.

ووفق الفيلم فإنه في العام 1980 نجح في شراء بضعة آلات قديمة من إسرائيل، وفتح مصنعا كاملا في مدينة دير البلح. وبدأ بإنتاج البسكويت من نوع البافلا، والسكاكر، ولاحقا حلوى "رأس العبد"، ونقارش البامبا، ومنتجات أخرى.

وفي العام 2000، اشترى التلباني مصنع مُثلَّجات وبدأ بإنتاج البوظة والمثلجات. وفي ذروة فترة انتاجيته قام المصنع بتشغيل 400 عامل، وكان يبيع 60% من منتجاته في الضفة الغربية و5% منها في إسرائيل.

بتاريخ 30 أيار 2007، غادرت الشاحنة الأخيرة من مصنع العودة في قطاع غزة إلى الضفة الغربية. ومنذ ذلك الحين أحكمَت إسرائيل إغلاقها على غزة، وفي حزيران من ذلك العام، وردًا على سيطرة حركة "حماس" على القطاع، تم ايقاف تسويق البضائع من غزة في أسواق الضفة الغربية وإسرائيل. ولا تزال إسرائيل حتى اليوم، تحظر بيع الأطعمة المُصنَّعة من غزّة في كل من الضفة الغربية وإسرائيل.

وعمليًا، وفق تقرير الجمعية الإسرائيلية الخاص بالفيلم، في الفترات ما بين الأعوام 2007 و2014 خرجت شاحنتان فقط تحملان بضائعًا من قطاع غزّة إلى الضفة الغربية.

وأدى الإغلاق الإسرائيلي على قطاع غزة إلى إحباط طموح التلباني، إلا أن هذا الإغلاق لم يفلح في قمعه تمامًا. ففي حزيران 2014 على سبيل المثال، قام بتصدير شحنة من البسكويت الى ايطاليا لكي يتعلم كيف يمكنه تشغيل آلة تغليف اشتراها لمصنعه. كان من الأسهل بالنسبة له أن يقوم بتصدير إرسالية عبثية إلى دول الخارج من أن يحصل على تصريح إسرائيليّ لإدخال اختصاصي إيطالي لكي يقوم بإرشاده في غزّة.

في أواخر شهر تموز 2014، وفي أوج العملية العسكرية "الجرف الصامد" تم قصف مصنع التلباني بشكل مباشر. وبسبب النقص في المياه، كان من الصعب إطفاء النيران جرّاء القصف، ونتيجة لذلك، استمر المصنع بالاحتراق على مدار يومين. ليس هذا فقط، انما وبسبب التقييدات الإسرائيلية بشكل عام على نقل البضائع في معبر كرم أبو سالم، فقد كان التلباني يقوم بشراء المواد الخام لستة أشهر مُسبقًا وتخزينها في المصنع، وبهذا، التهمت ألسنة اللهب محتويات المخازن كلها في المصنع. احترقت الماكينات وآلاف الليترات من الوقود المخصص للمولّدات التي تخدم المصنع أثناء فترات انقطاع الكهرباء.

اليوم، وهو في سن الخامسة والستين، لا يزال التلباني يجتهد لكي يتطور ويجدد، في مجال المنتجات وفي طرق الإنتاج، وفي تطوير أسواق جديدة. في هذه الأيام بادرَ لإقامة مصنع جديد في الخليل، سيتيح له العودة للتسويق في الضفة الغربية كفرصة وحيدة أمامه من أجل العودة إلى الأسواق في الشطر الثاني من الوطن.

ويقول: إن هذا الاستثمار العظيم يثير القلق: "ماذا سيحصل بحال قامت إسرائيل بمصادرة تصريحي بالخروج من غزة؟ كيف سأقوم حينها بإدارة المصنع الجديد؟".

وكحال شبيهه المرسوم في الفيلم، فإن التلباني لا ينوي التنازل أبدًا. "أنا لا أحب الدماء، ولا أحب الحروب، أنا أحب البناء"، يكرر محمد التلباني ويقول بلغة عبرية مُتقَنة.

أطفالا مثل شخصية نور في الفيلم، وأشباهها الحقيقيين في الواقع، يستحقون مستقبلا آخر مختلفًا عما هو متاح أمامهم اليوم.

ويؤكد انه بعد خمسين عاما من الاحتلال الاسرائيلي، وعشرة أعوام من الإغلاق، ما من لحظة أفضل من هذه الراهنة لتغيير كل هذا الوضع.

وجاء في تقرير الجمعية الاسرائيلية: يعيش 2 مليون إنسان، منهم فتيات طموحات، مثل الطفلة نور، ورجال أعمال أصحاب عزيمة ومبادرة، مثل محمد التلباني. وبعد أكثر من عشرة أعوام فشل خلالها الإغلاق الإسرائيلي بتحقيق الأهداف المعلنة من ورائه، لكنه نجح بتعطيل الاقتصاد الفلسطيني.

وتابعت الجمعية: بعد 50 سنة من الاحتلال وعشرة أعوام من الإغلاق، حان الوقت لإزالة الحواجز بين سكان قطاع غزة، الكبار منهم والصغار، وبين أحلامهم.

وحسب التقرير فإن غالبية سكان غزة لا يستطيعون الخروج منها أبدًا. فإسرائيل لا تسمح لغزة بإقامة مطار أو ميناء بحري. السفر من غزة إلى الخارج بهدف التعلم، التجارة، المشاركة في دورات مهنيّة أو لم شمل العائلة، يتطلب الحصول على تصريح اسرائيلي ويستضم بمنظومة تصاريح تعسفية ومشددة.

وبين أن شبكة الكهرباء في غزة مهترئة منذ سنوات، وأن نسبة عالية من المجتمع في غزة هم شباب صغار: 42 بالمائة من سكان القطاع هم أطفال تقل أعمارهم عن سن 15 عامًا. ومن ضمن هؤلاء الشباب هنالك أعداد لا تحصى، حالهم كحال شخصية نور الخيالية: أطفال طموحين وأصحاب خيال واسع. هؤلاء قادرون على بناء مستقبل مختلف تمامًا لغزة وللمنطقة بأسرها، في حال تطبيق سياسة تتيح لهم الازدهار.

وأكد التقرير أن قصة الضرر المباشر الذي أصاب المصنع هي قصة حقيقية تماما.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024