الرئيسة/  مقالات وتحليلات

العنف في المجتمع

نشر بتاريخ: 2017-10-10 الساعة: 09:37

عاطف أبو سيف حدث شجار مأساوي قرب إحدى المدارس الثانوية في مدينة بيت لاهيا بين طلاب راح ضحيته أحد الطلاب على إثر إصابة نتيجة الشجار. الحدث وقع وقعاً مدوياً على طلاب المدرسة وعلى ذويهم (وانا منهم) وعلى سكان المنطقة ان مثل هذا المستوى من العنف قد يصل إلى أن يقوم أطفال (وفق السن القانوني) بالاقتتال ويقود هذا الاقتتال للموت. لقد رأيت أثر هذا على الصدمة التي ألمت بطفليّ اللذين يدرسان في المدرسة والحالة النفسية الصعبة التي يمران بها خلال اليومين الماضيين، فالفتى لا يفهم معني الموت، فكيف له أن يفهم أن يقوم صديق له بقتل صديقه الآخر. ثمة أسئلة كبيرة لابد من الوقوف عندها هنا والبحث عن الحلول الناجعة حتى لا تتحول الحوادث المتفرقة إلى ظواهر مقلقة، وتبدأ بنخر جسد المجتمع المتهتك نسيجه أصلاً. فالمدارس التي هي قلاع التربية قبل أن تكون مؤسسات تعليمية (أليس هذا اسم الوزارة من الأساس) تصبح فجأة مسرحاً للجريمة. بالطبع هذه جرائم غير مخططة وغير منظمة، لكنها أحداث مأوساية تكشف عن عمق العنف الدفين في المجتمع، إنها تمظهرات خارجية لبواعث داخلية يكون المجتمع هو كيانها الكبير. المقلق الحقيقي في كل ذلك أن المدارس تصبح مسرحاً لمثل هذه الجرائم ويصبح بإمكان الفتيان أن يتباروا في الصراع الذي قد يقود إلى الموت. لعبة الموت التي لاي فضلها أحد لكنها موجودة وممكنة. 
المؤكد أن المزيد من الاهتمام يجب أن يولى لقطاع التعليم في شق التربية أكثر من الجهد المبذول، وهو جيد، في تطوير المناهج وتعزيز قدرات الطلاب التحصيلية عبر استخدام وسائل معاصرة في التعليم بالتشارك لا عبر التلقين. لكن ماذا عن المكون الأساس في كل ذلك: التربية. ألم تسبق صفة التربية صفة التعليم في اسم الوزارة منذ فجر تأسيسها. من الواضح أن ثمة قصور في ذلك. ولا يجب أن يقول أحد إن حادثة واحدة بشعة ومؤلمة ليست كافية لأن يدق ناقوس الخطر وبقوة من أجل استنهاض الهمم وشحذ الطاقات لوقف أي حالات أخرى. القصة ليست قصة حادثة لكنها قصة ألم كبير يمكن أن يمتد أكثر  ويدوم أطول.
وهذا يفتح نقاشاً آخر أوسع من حدود المدرسة، لأن المؤكد أن ثقافة الفتي ليست نتيجة لما يتلقاه ويشاهده في المدرسة، بل هي أمتداد آخر لثقافة المجتمع بدوائره المختلفة التي تبدأ بالأسرة ثم الحارة فالمخيم أو القرية أو المدينة وبعد ذلك المجتمع الاوسع الذي يتشكل وفق امتدادات مختلفة. من المؤكد أن ثمة علل كثيرة في المجتمع ولكن المؤكد أن العنف ظاهرة يجب التوقف عندها في مجتمعنا خاصة عند قراءة المؤشرات المختلفة التي تفضح حالات القتل والتعذيب والقمع والقهر الاجتماعيين. انظروا لمعدلات قتل النساء في المجتمع في السنوات الأخيرة وتذكروا القصص المروعة عن حالات القتل والاختفاء وحالات السطو والشجارات العائلية في الأحياء، وتأملوا جيداً ثقافة الكراهية التي قد تسود في أي شجار وقد تتحول فجأة إلى قضية كبرى تهز المجتمع. مرة أخرى العنف ظاهرة قد توجد في كل المجتمعات، ولا يمكن تصور مجتمع بدون حالات متفاوتة في حجمها وخطورتها من العنف سواء القتل أو السرقات أو الاعتداءات حتى الجسدية والجنسية، لكن الخطر يصبح محدقاً حين يهبط مستوى العنف إلى طلاب الثانويات، عندها يجب الوقوف بحذر والتماسك حتى لا تحدث المزيد من الانهاريات في المجتمع. فالمجتمع السليم يحاول أن يمنع مثل هذه الانهيارات، لأن ثمة حدود يجب التوقف عندها قبل أن يصبح الغرق محتماً.
وفي أجواء المصالحة لابد من التذكير بضرورة معالجة مثل هذه القضية بشكلها الأوسع، فالمجتمع المنقسم الممزق عاني لعقد من الزمن منذ أحداث حزيران السواداء وما رافقها من قتل وسحل واقتتال أفراد العائلة الواحدة واعتقال الأخ لأخيه وكل ذلك من المآسي التي يبدو استذكارها أكثر ألماً، كل هذه يحتاج لمعالجات جذرية تعتمد في الأساس بعد المصالحة المجتمعية وإرجاع الحقوق ورد الكرامة للناس، الى تعزيز ثقافة السلم المجتمعي والسلم الأهلي. المجتمع متهتك النسيج بحاجة للمزيد من ثقافة المحبة والتسامح حتى يستطيع الصمود في وجه الأنواء والأحداث والخطوب القادمة. وهذا يتطلب تطوير استراتيجيات جديدة للتعامل مع العنف كظاهرة لا نفيق عليها فقط حين نرى الدماء تجري في الشوارع وبيوت العزاء تنتصب في الطرقات، بل يجب علينا أن نستشعرها وندرسها بمستوياتها المختلفة بدأ من لغة التخاطب عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلى العلاقات داخل أسوار المدارس والجامعة. 
الأمر أكبر من مجرد ردة فعل، بل سياسات وطنية. وربما يتم التفكير في تأسيس هيئة حكومية للسلم الأهلي  تكون مهمتها التدخل في القطاعات كافة الرسمية وغير الرسمية وحتى في سياسات المنهاج وتطويره من أجل ضمان تعزيز السلم المجتمعي وثقافة التسامح ومحاربة مستويات العنف المختلفة. 
يضع هذا عبئا جديداً على كاهل وزارة التربية والتعليم بحلتها الجديدة بعد توحيد شطري الوزارة بضرورة تعزيز دور المرشدين التروبيين والنفسيين، وتطوير عملهم، وعدم اقصار عملهم على التدخل وقت حدوث الأزمة. يجب وجود خطط من أجل يكون الإرشاد التربوي والنفسي جزءاً من العملية التعليمية، فلا يعقل أن يذهب للمرشد التربوي فقط من يفتعل شجاراً، بل يجب تطوير عمليات تدخل بناء على تقديرات صائبة لحالات الفتيان في المدارس تتكاتف في تطويرها كل طواقم المدرسة. الأمر لا يبدو مجرد تصويب للوضع بل خلق وضع جديد. وفي أجواء المصالحة لابد أن يكون هذا هدفاً كبيراً حتى نرتقي للمجتمع المتسامح المتحابب. 

 

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024