الرئيسة/  مقالات وتحليلات

معركة الوجود.. ومصلحة حماس واسرائيل

نشر بتاريخ: 2018-08-07 الساعة: 10:12

موفق مطر تعتبر قيادة حماس الآخرين في الوطن كطرف في صراعها على الوجود، وليس منافسا سياسيا كما الحال في أية بلاد تحفل بالتعددية السياسية، أو تلك التي تطبق الحد الأدنى من منهج الديمقراطية، وهذا ليس غريبا على قادة تخرجوا من تحت سقيفة جماعة الاخوان الذين يعتبرون كل من ليس في دائرتهم عدوا (كافرا او مرتدا) يجوز قتله، واشتغلوا على مدى التسعين عاما الماضية على تأصيل هذه المفاهيم في أذهان أجيالهم الوارثة لهذه العدائية تحت ضغط تفوهات مشايخهم الموجه عبر منابر المساجد وكذلك في الحلقات السرية، وعمليات غسل أدمغة للكبار، ومنع الصغار من اكتساب اي معرفة أو علم أو ثقافة إلا عبر برنامج آمن يعتبر كل فكرة انسانية أو رؤيا تحررية تقدمية أو أي تحديث أو تجديد في مناهج الحياة وسلوكيات الناس بمثابة (فايروس) –أي كفر– يجب استئصاله بسفك الدماء .
من هذا المنطلق تعتبر حماس نفسها في معركة مفاوضات مع حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الفلسطينية الأخرى، وهو نفس المصطلح الذي تم استخدامه للتعبير عن شكل الاشتباك مع دولة الاحتلال بعد الولوج في العملية السياسية، لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتأمين وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه فلسطين، ليس هذا وحسب، بل اثبات جدارته كشعب قادر على العودة إلى مكانته الحضارية، والاسهام في رفع قواعد الاستقرار والسلام في هذه المنطقة الحساسة من العالم .
لجأت قيادة حماس إلى تقوية ما تعتقد أنها (أوراق تفاوضية) ترتكز عليها في مسارين، الأول مع الاحتلال الاسرائيلي عبر تسويق مقولة: قواعد الاشتباك الجديدة -القصف بالقصف-  والآخر عبر طرق البوابة الاسرائيلية، والالتهاء بلهفة لتلقف أي صدى صوت مصدره ادارة ترامب، وبعث اشارات واضحة المعالم للبيت الأبيض توفر على مستشاريه وأركانه عناء البحث عن بديل للرئيس أبو مازن والقيادة الشرعية الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية، وافادة صريحة بقبول مهمة فتح الطريق أمام صفقة القرن المسيرة على عجلة تحويل قضية التحرر الوطني الفلسطيني وانجاز الاستقلال وقيام دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية إلى مجرد حشد عطف انساني، محمول بصناديق أغذية وأدوية، وتوسيع رقعة صيد بحري، وفتح معابر للشاحنات، وتمويل رواتب لعناصر حماس الذين فرضتهم بعد انقلابها في العام 2007 مقابل استمرار سلطة الأمر الواقع (الحمساوية) في غزة، فقادة حماس يعتقدون أن وجودهم ووجود جماعتهم مرتبط بديمومة سلطتهم الانقلابية في قطاع غزة، خاصة بعد انكسارات خطيرة حلت بجماعة الاخوان المسلمين ومشتقاتهم في اقطار عربية مجاورة وبعيدة .
إن حديث قادة حماس بصوت عال حول شرعية (اللقاء مع العدو) واجازة المفاوضات –بغض النظر عن أشكالها- من أجل تحسين الوضع المعيشي للمواطنين في قطاع غزة، ليست مناورة لفرض شروط حماس وتعزيز موقعها التفاوضي مع القيادة الوطنية الفلسطينية وارغامها على قبول نتائج الانقلاب وآثاره وتبعاته، والتسليم لها كقوة حاكمة –ولكن في الظل– وحسب، بل رسالة شكر بالخط العريض لدولة الاحتلال بأن حماس لن تذهب إلى مصالحة وشراكة مع الوطنيين الفلسطينيين، حتى لايتم تخريب المصلحة المشتركة بين الطرفين (اسرائيل -وحماس جماعة الاخوان) والمستخلص منها حسب التجارب والبينات المادية والواقعية، أن ساسة اسرائيل وقادتها الأمنيون يعتبرون حكم حماس في غزة مصلحة اسرائيلية، وان سيطرتها على القطاع يمنع توفر شروط قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، أي في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، فيما تكمن مصلحة حماس أن اسرائيل كدولة احتلال، بعد اعادة انتشار قواتها، وبعد ثلاثة حروب على القطاع –بعد سيطرتها عليه بالانقلاب المسلح عام 2007- مازالت تحاصر قطاع غزة، وهذا أكبر وأعظم مبرر لحماس وغيرها من المتعاملين مع أجندات اجنبية، لحشد القوة المسلحة، لتدعيم أركان انقلابها وترسيخه في المفهوم والوعي الفردي والجمعي تحت يافطة الجهاد والمقاومة!!.. وبذلك يضمن قادة حماس وجود بقاء (جماعة الاخوان) في مركز المنطقة، حتى لو قيل لهم الف مليون مرة أن ما يفعلونه افظع جريمة اغتيال ومساهمة عملية مادية في مؤامرة تصفية القضية الأنبل والأعدل في العالم، وأنها غدر وخيانة للشهداء والجرحى، وتجارة بمآسي ومعاناة الملايين من الشعب الفلسطيني .

 

far

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024