الرئيسة/  ثقافة

رحلة الكاتب اليواني الكبير نيكوس كزانتزاكي إلى فلسطين

نشر بتاريخ: 2018-07-17 الساعة: 19:52

رام الله- الحياة الجديدة-  في مقدمة الكتاب أورد المترجمان منية سمارة ومحمد الظاهر أن الحس التنبؤي عند كزانتزاكي كان حاضرا، وقد استرشد به في تقدير ما سيأتي من ويلات وما سيعم المنطقة من فوضى وما سيرتكب من جرائم في حق الشعب الفلسطيني حتى قبل أن تحل نكبة 1948.

كتاب "رحلة إلى فلسطين"، هو مشاهدات كان  قد نشرها كزانتزاكي في صحيفة "اليغيثروس لوغوس" اليونانية، حيث أوفدته الصحيفة إلى فلسطين سنة 1926 لتغطية عيد الفصح، ونشرها في الصحيفة في العام نفسه، ثم صدرت في كتاب بعنوان "ترحال"، يشمل جولاته في كل من فلسطين ومصر وإيطاليا وقبرص.

ولكن، ما هي الأهمية الكبرى لرحلة كزانتزاكي إلى القدس، وهل تنبع من أهمية المدينة ذاتها وتاريخ تلك الرحلة والوضع الخاص الذي كانت تعرفه فلسطين تحت الانتداب البريطاني، والهجوم الشرس للصهيونية العالمية على البلاد واغتصاب أرضها تمهيدا لإعلان الدولة اليهودية؟ أم أن الأهمية تنبع من كون صاحبها يقدم سجالا رائعا مع يهودية صهيونية في آخر مقطع من الرحلة، يفند فيها المزاعم الصهيونية وقصة أرض الميعاد، ويكشف عن عورات ومزاعم الأساطير الصهيونية، وعن تشاؤمه في ذلك التاريخ من 1926 من الوضع في المنطقة.

حس تنبؤي

فقد حدس الكاتب اليوناني الكبير، بما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين، بعد أن أصبح حضور الحركة الصهيونية على الأرض ملموسا في كل فلسطين، فهم يتوافدون في هجرات جماعية بشكل غير مألوف في التاريخ، ويتجمعون ويؤسسون الغيتوهات تحت رعاية الانتداب البريطاني، وهو ما دفع بكزانتزاكي إلى طرح السؤال الاستشرافي: ماذا يريد هؤلاء القادمون من مختلف أنحاء العالم من وراء التجمع في أرض فلسطين، هل يريدون تأسيس كيانهم المزعوم؟ لقد كانت نبوءته أنه في حال تحقق هذا الأمر، فإن الخراب سيحل بالمنطقة.

وتضيف المقدمة "لقد رأى كزانتزاكي أن الحلم الصهيوني سينتهي بشكل تراجيدي، وكان ينظر إلى الشتات كحتمية تاريخية، شكلت الجنس العبري عكس مشيئته ورغباته، وهكذا شكلته في خميرة الأرض، ودفعته إلى لعب دوره الخاص في التاريخ".

يكتب  كزانتزاكي "البحر الذي كان يحمل الحجاج إلى القدس، كان هادئا، والسماء بغيومها الرقيقة، كانت قد اتشحت بغلالة شفافة ساحرة غريبة. أما شواطئ اليونان، وجزرها ونوارسها، ودلافينها المرحة، وطيورها الصغيرة التي ترفرف وتغرد بين أشرعة السفينة، فقد ساهمت كلها في بث جو من الدفء والسحر، النادر في نفوسنا، هذا اليوم".

يطرح كزانتزاكي أسئلة وجودية عميقة حول المعنى، معنى الحياة والبشر، وهذا الإصرار على تحقيق شيء ما أو إبراز حقيقة معينة، في حين أن لا شيء حسمه البشر رغم كل هذا الإصرار منذ عشرات القرون، يقول "كنت أراقب الحجاج المسافرين بفضول، وأتساءل: ما هي الدرجة التي وصل إليها الإنسان المعاصر، بعد تسعة عشر قرنا من السعي، والإنجازات، التي دفعته لتحقيق هذا العشق العميق، في مغادرة بيته، والبدء في هذه الرحلة الشاقة والمكلفة، إلى الشرق، بين العرب، للعبادة في هذا المعبد المسيحي، الذي لم يعرف كنهه بعد؟".

ماذا كتب  كزانتزاكي عن القدس والبحر

لا نملك إلا أن نسحر ببراعة كزانتزاكي في رسم لوحات غاية في الروعة، وهو يعبر على متن تلك السفينة باتجاه القدس، يكتب "مع هبوط الظلام، حين كانت الشمس تغرق في مياه البحر الهادئة، خلفنا، والقمر يطلع من جهة الشرق ساكنا وحزينا كقناع الموت الذهبي، قام أحد القساوسة ليقيم احتفالا يليق بالصلاة المقدسة للثلاثاء المقدسة.

ليتحرر من أحزانه. كان مختلفا. البحر يثير القلب، يطلق العنان للقلق والأسئلة التي يهدئها العشب الأخضر الندي".

طقس الاحتفال

في كنيسة القيامة في القدس، حيث أقيمت الاحتفالات، يبرع كزانتزاكي في وصف ذلك المشهد الطقوسي وتلك الأمواج من الأجساد المتلاطمة والصارخة والمتشنجة والمرتعشة والعرقانة، ومزيج روائح البشر من كل الجنسيات، وهم ينشدون في تلك اللحظة رحمة الرب. ثم بعد ذلك تهدأ النفوس قليلاً، ليبدأ طقس الاحتفالات "وبدأت الاحتفالات، فقرعت الأجراس، وهبت رياح الطهر والقداسة فوق الرؤوس المختلطة، فشعرت بصورة أكبر، بحرارة هيبة الرب في قلوب البشر.

فقد ارتفعت الأيدي، ورقصت الأقدام، ووثبت القلوب وعلت الصيحات للرب المخلص، وألقت روح لا مرئية ظلالها على الأجواء، وقد تأكد لي في ذلك الوقت، انه حتى ولو لم يحضر الرهبان والمثقفون إلى الكنيسة، فإن الفلاحين كانوا قادرين على بعث الرب.

كانوا قادرين على إجباره على التكون في السماء، ومن ثم النزول إلى الأرض بأقصى سرعة كفكرة أو خيال. ولكنه سينزل هذه المرة بهيئته وصوته، ليقدموا له السمك والعسل، وسيكون قادراً على الأكل".

حوار مع صهيونية

يلتقي كزانتزاكي أثناء زيارته لفلسطين مع يهود معتدلين ومع يهود يساريين، ومع يهود متطرفين، وينتهي إلى أن الخلاصة الجامعة بينهم رغم التفاوتات الشكلية، هي أن كل هؤلاء القادمين من مختلف بقاع الأرض يعتقدون أنهم قادمون إلى ما يعتبرونه وطنا لهم، ولإقامة دولتهم.

وهو بهذا يكشف حجم تغلغل الحركة الصهيونية بينهم، خصوصا بالنظر إلى تلك الفترة المبكرة من سنة 1926، بعدما أصدرت السلطات البريطانية ما يسمى بوعد بلفور سنة 1917، والذي يقضي أهم بنوده بإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين المغتصبة.

يكتب كزانتزاكي "بجانبي، كانت شابة يهودية تسير، وتتنفس بسهولة، كانت تعمل معلمة، وتدعى (جوديت)، وقد جاءت لتريني حديقة للأطفال اليهود، كانت في حوالي العشرين من العمر، قصيرة رشيقة، ذات أنف معقوف، وعينين سوداوين فاحمتين، وشعر خشن أجعد، وذقن عريض، يومئ بالعناد والعزم.

سألتها: وماذا حصل حتى أصبحتِ صهيونية؟ قالت: كنت أدرس الطب، ولم تكن لدي أي انتماءات لأي دين أو بلد. وكان الناس دائما يثيرون اهتمامي، وكنت أشعر بالرأفة والشفقة تجاه الجنس البشري كله، مدركة كيف يمكن أن يتقاسم الجميع المعاناة والمتعة، والحزن. لكنني كنت قلقة حائرة. فقد كانت أوروبا كلها تبدو لي قديمة مألوفة، ومبتذلة. كنت متعطشة لشيء جديد. ولهذا جئت إلى فلسطين.

 

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024