الرئيسة/  مقالات وتحليلات

خلفيات التصعيد

نشر بتاريخ: 2018-05-30 الساعة: 09:24

عمر حلمي الغول كم لا حصر له من العوامل والأسباب قائم وموجود في الواقع الفلسطيني الإسرائيلي يهيىء الأوضاع للإنفجار في كل لحظة، ولعله يكفي هنا وجود الإستعمار الإسرائيلي ليجب كل الأسباب الأخرى خلفه، ويتقدم عليها جميعها، ليكون في كل لحظة عنوانا من عناوين التفجير بين الشعب الواقع تحت نير الإحتلال، وبين المستعمر الإسرائيلي، الذي لا يتورع، ولم يتورع عن إرتكاب ابشع عمليات القهر الإنسانية ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وتعاظم هذا القهر والتنكيل مع صعود المشاركة الأميركية في عهد ترامب  إلى درجة التطابق مع حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، مما زاد من حدة وإتساع الإنتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية عموما وفي قطاع غزة خصوصا بعد إنطلاق شرارة مسيرات العودة، التي دشنت مع يوم الأرض الفلسطيني في الثلاثين من أذار/ مارس 2018. فضلا عن الحصار الظالم، والحالة الكارثية، التي وصل لها أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب.

ولكن بعيدا عن لغة التعميم لإرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، فإن الضرور تتطلب وضع النقاط على الحروف، رغم القناعة الراسخة لدى أي مراقب فلسطيني أو إسرائيلي أو دولي، بأن دولة الإستعمارالإسرائيلية، هي أم وأب وأس الأسباب لكل عمليات التفجير على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. وعليه فإن التصعيد الذي تشهدة الجبهة الجنوبية الفلسطينية الإسرائيلية على حدود قطاع غزة الشمالية والشرقية والغربية في مياة البحر المتوسط، ليس عفويا، ولا يعتبر نتاج حادث عابر أو بالصدفة، انما هو تصعيد مقصود، وفي هذة اللحظة أُرغمت أذرع المقاومة بدفع التصعيد للإمام، أو بتعبير آخر فرض عليها صب الزيت على النيران المتقدة تحت الرماد، مما عمق عملية التصعيد على الجبهة الجنوبية، والذي تصادف أمس الثلاثاء وصول سفن رفع الحصار عن قطاع غزة، التي حاصرتها القوات البحرية الإسرائيلية وإعتلقت العديد من الذين كانوا على متنها. مما أضفى على المشهد الفلسطيني في محافظات الجنوب بعدا دراماتيكيا أكثر سخونة، وضاعف من تسليط الأضواء على المشهد الغزي فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا ودوليا.

غير ان السؤال، الذي يطرح نفسه هنا بقوة، لماذا صبت حركة الجهاد الإسلامي الزيت على عملية التصعيد؟ ما هي مصلحتها الآن؟ وما هي دوافعها؟ وهل لها شركاء من حركة حماس أم تحملت لوحدها وزر التصعيد؟ ودون إطالة في طرح الأسئلة، يمكن تلخيص الدوافع والأسباب السياسية والأمنية والتنظيمية لعملية التصعيد بالآتي: أولا لدى حركة الجهاد أكثر من سبب للتصعيد (من وجهة نظرها كتنظيم) منها الرد على عملية تفجير نفق "سرايا القدس" الذراع العسكري للحركة في نهاية إكتوبر 2017، الذي ذهب ضحيته أربعة عشر شهيدا من قادة وكوادر الحركة. ووعدت بالرد في الوقت المناسب، ولم ترد من ذلك التاريخ؛ ثانيا تغييب وتهميش دول الإقليم العربية دور حركة الجهاد، وعدم حسبان حسابها في المداولات الجارية مع القوى الفلسطينية  بشأن مستقبل القطاع، مما دعاها لتأكيد دورها في المشهد السياسي الفلسطيني كرقم هام؛ ثالثا تقدير قيادة الحركة أن المناخ العربي والإقليمي والدولي مساعد لحرق اصابع اليد الإسرائيلية، بعد الحملة العالمية المتصاعدة ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، التي إستهدفت المواطنين الأبرياء والعزل،وأوقعت بينهم عشرات الشهداء، ومئات والآف الجرحى؛ رابعا الإعتبار والأجندة الأقليمية كانت موجودة في التصعيد، وهو ما يعني التنسيق مع حلفائها الإقليميين في إيران وحزب الله اللبناني،؛ خامسا لم يكن لهذا التصعيد ان يتم دون التنسيق مع الفريق المتنفذ من حركة حماس في كتائب القسام (  بتعبير آخرهناك إتجاها حمساويا ليس مع عملية التصعيد)، وهو ما أشار إليه ايضا الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، العميد رونين مانليس، الذي جاء في بعض ما أدلى به " لقد رأينا في السابق، انه بمقدور حماس وقف إطلاق الصواريخ، والآن نرى أنها تختار مواصلة إطلاق الصواريخ." وهذا موضوعيا صحيح. بتعبير واضح أن لتيار مركزي في حماس مصلحة في التصعيد؛ سادسا يعتبر التصعيد شكلا من اشكال الرد على الرسائل، التي اوصلها قادة جهاز المخابرات المصرية لرئيس حركة حماس، هنية في زيارته الخاطفة للقاهرة مؤخرا، وهي تحمل ردا مباشرا من هذا التيار على صفقة القرن، وإحراجا للعرب وغيرهم من المتساوقين مع اللعبة الأميركية الإسرائيلية. 

ولكن لا يعرف المرء، إن كان الواقفون خلف التصعيد يدركون الثمن، الذي ستدفعه محافظات الجنوب عشية العيد، أم يجهلون ذلك؟ وهل تصعيدهم جاء مشفوعا بتقدير دقيق لموازين القوى، وباتت أذرع المقاومة جاهزة لتدفيع إسرائيل الثمن، أم ان الغاية خلط الأوراق لحسابات إقليمية ؟ وهل يعتقدون أن القيادة الإسرائيلية لن تلجأ لخيار الإجتياح، وتكتفي بعمليات القصف والإغتيالات، التي إحترزوا لها،  التصعيد المتدحرج له ما بعده، ويحتاج لقراءة تداعياته اللاحقة.

amm

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024